كتاب ذم الدنيا لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

216 - أَنْشَدَنِي أَبُو جَعْفَرٍ الْقُرَشِيُّ:
يَا عَاشِقَ الدُّنْيَا ... وَلِلدُّنْيَا سَمَادِيرٌ وَسُكْرُ
اسْمَعْ لَمَوْعِظَةِ الزَّمَانِ ... فَمَا بِسَمْعِكَ عَنْهُ وَقْرُ
كَمْ قَدْ مَضَى مَلِكٌ ... لَهُ نَظَرٌ إِلَى الْجُلَسَاءِ شَزْرُ
وَلَهُ مُبَاهَاةٌ بِمَا لَمْ يَبْقَ ... فِيهِ لَهُ فَخْرُ
وَتَمُرُّ أَزْمِنَةٌ بِنَا ... يَمْضِي بِهَا شَهْرٌ وَشَهْرُ
وَتَمُرُّ فِينَا الْحَادِثَاتُ ... لَهَا بِنَا طَيٌّ وَنَشْرُ
وَيَكُونُ مَنْ يَبْنِي الْقُصُورَ ... يَضُمُّهُ مِنْ بَعْدُ قَبْرُ
وَالدَّهْرُ فِيهِ عَجَائِبٌ ... مِنْ صَرْفِهِ شَفْعٌ وَوَتْرُ
وَالْمَوْتُ فِيهِ عَلَى الذَّهَابِ ... بِأَنْفُسِ الثَّقَلَيْنِ نَذْرُ
وَعَوَابِرُ الدُّنْيَا تَمُرُّ عَلَيْكَ ... وَأَنْتَ لَهُنَّ جِسْرُ
وَلَرُبَّ حَالٍ بَيْنَ صَاحِبِهَا ... وَبَيْنَ الْمَوْتِ قَبْرُ
وَمَتَى يُفَكُّ لِعَاشِقِ الدُّنْيَا ... مِنَ الشَّهَوَاتِ أَسْرُ.
626 - حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ هَاشِمٍ، حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ عَبَّادٍ، قَالَ: قَالَ لِي بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: أَضْرِبُ لَكَ مَثَلَ هَذَا الْخَلْقِ مَثَلُ قَوْمٍ اتَّخَذُوا الدُّنْيَا دَارَ إِقَامَةٍ، وَاتَّخَذُوا الْآخِرَةَ لَهْوًا وَغُرُورًا ثُمَّ قَالَ: اضْرِبْ بِيَدِكَ مَا شِئْتَ مِنْ هَذَا الْخَلْقِ، إِذَا نَصَحْتَهُ فِي أَمْرِ دِينِهِ اتَّخَذَكَ عَدُوًّا.
627 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: تُرِكَ الْفِدَى، أَرَى النَّاسَ قَدِ اتَّخَذُوا الدُّنْيَا رَأْسَ مَالٍ، وَعَدُّوا مَا جَاءَهُمْ مِنَ الْآخِرَةِ رِبْحًا، وَقَدْ عَزَمْتُ عَلَى أَنْ أَجْعَلَ رَأْسَ مَالِي، وَأُعِدَّ مَا جَاءَ مِنْهَا رِبْحًا قَالَ: فَفَعَلَ ذَلِكَ.
628 - وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ حَاتِمٍ الْمَدَائِنِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحُسَيْنَ بْنَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْمُعَلِّمُ، قَالَ: قَالَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي لاَ أُرِيدُ مِنَ الدُّنْيَا شَيْئًا، فَلاَ تَرْزُقْنِي مِنْهَا شَيْئًا.
629 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ حَاتِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ حُسَيْنَ بْنَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أَبِي الْحَجَّاجِ الْخُرَاسَانِيِّ بِمَكَّةَ نَدْعُو، وَكَانَ مَعَنَا رَجُلٌ مُكْثِرٌ، فَقَالَ أَبُو الْحَجَّاجِ: اللَّهُمَّ لاَ تَرْزُقْنَا دِينَارًا وَلاَ دِرْهَمًا، فَأَمَّنَّا كُلُّنَا مَا خَلاَ الرَّجُلَ الْمُكْثِرَ.
630 - حَدَّثَنَا مُوسَى أَبُو عِمْرَانَ الْجَصَّاصُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيُّ، يَقُولُ: يَنْبَغِي لِلْعَبْدِ الْمَعْنِيِّ بِنَفْسِهِ أَنْ يُمِيتَ الْعَاجِلَةَ الْفَانِيَةَ الزَّائِلَةَ، الْمُنَغِّصَةَ، بِالآفَاتِ مِنْ قَلْبِهِ، وَيَذْكُرَ الْمَوْتَ وَمَا بَعْدَهُ مِنَ الأَهْوَالِ وَالْخُسْرَانِ وَالنَّدَامَةِ، وَالْوُقُوفِ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَسُؤَالِهِ إِيَّاهُ، وَالْمَمَرِّ عَلَى الصِّرَاطِ وَالنَّارِ، فَإِنَّهُ يَخِفُّ عَلَيْهِ التَّجَافِي عَنْ دَارِ الْغُرُورِ.
631 - حَدَّثَنِي مُوسَى أَبُو عِمْرَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سُلَيْمَانَ، يَقُولُ: الدُّنْيَا تَطْلُبُ الْهَارِبَ مِنْهَا، وَتَهْرُبُ مِنَ الطَّالِبِ لَهَا، فَإِنْ أَدْرَكَتِ الْهَارِبَ مِنْهَا جَرَحَتْهُ، وَإِنْ أَدْرَكَتِ الطَّالِبَ لَهَا قَتَلَتْهُ.

الصفحة 599