كتاب التهجد وقيام الليل لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

264 - وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عِيسَى السَّبَّاطُ، حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنَ الْعَابِدِينَ، قَالَ: قَرَأْتُ ذَاتَ لَيْلَةٍ الْبَقَرَةَ, ثُمَّ نِمْتُ, فَإِذَا أَنَا بِقَوْمٍ يُرِيدُونَ سَفَرًا, فَكَأَنِّي أَرَدْتُ الْخُرُوجَ مَعَهُمْ, فَإِذَا نَحْنُ بِوُعُورَةٍ وَمَفَاوِزَ, وَإِذَا الْقَوْمُ قَدْ أَعَدُّوا مَرَاكِبَ وَمَحَامِلَ، قَالَ: فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: فَكَيْفَ أَصْنَعُ أَنَا مَعَ هَؤُلاَءِ؟ قَالَ: فَإِذَا أَنَا وَاللَّهِ بِبَقَرَةٍ تَتَوَرَّكُ لِي, كَأَنَّهَا تُرِيدُ أَنْ تَحْمِلَنِي، فَجَعَلْتُ أَحِيدُ عَنْهَا, وَجَعَلَتْ تَتْبَعُنِي, فَتَتَوَرَّكُ لِي أَيِ ارْكَبْنِي، فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ رَكِبْتُهَا، قَالَ: فَجَعَلْتُ وَاللَّهِ أَتَقَدَّمُ فِي أَصْحَابِ النَّجَائِبِ وَالْمَرَاكِبِ, حَتَّى جَعَلُوا يَنْظُرُونَ إِلَيَّ مِنْ بُعْدٍ، قَالَ: فَاسْتَيْقَظْتُ وَأَنَا عَلَى ذَلِكَ، قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا تَرَكْتُ قِرَاءَتَهَا فِي كُلِّ لَيْلَةٍ بَعْدَ هَذِهِ الرُّؤْيَا, إِذَا قَرَأْتُ جُزْئِي, أَوْ قَبْلَ ذَلِكَ.
265 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنِي عَمَّارُ بْنُ عُثْمَانَ الْحَلَبِيُّ، حَدَّثَنِي مِسْمَعُ بْنُ عَاصِمٍ الْمِسْمَعِيُّ، قَالَ: قَالَتْ لِي رَابِعَةُ الْعَابِدَةُ: اعْتَلَلْتُ عِلَّةً قَطَعَتْنِي عَنِ التَّهَجُّدِ وَقِيَامِ اللَّيْلِ, فَمَكَثْتُ أَيَّامًا أَقْرَأُ جُزْئِي إِذَا ارْتَفَعَ النَّهَارُ, لِمَا يُذْكَرُ فِيهِ أَنَّهُ يُعْدَلُ بِقِيَامِ اللَّيْلِ، قَالَ: ثُمَّ رَزَقَنِي اللَّهُ الْعَافِيَةَ, فَاعْتَادَتْنِي فَتْرَةٌ فِي عَقِبِ الْعِلَّةِ, فَكُنْتُ قَدْ سَكَنَتْ إِلَى قِرَاءَةِ جُزْئِي بِالنَّهَارِ, وَانْقَطَعَ عَنِّي قِيَامُ اللَّيْلِ, قَالَتْ: فَبَيْنَا أَنَا ذَاتَ لَيْلَةٍ رَاقِدَةٌ, أُرِيتُ فِي مَنَامِي كَأَنِّي دُفِعْتُ إِلَى رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ, ذَاتِ قُصُورٍ وَبَيْتٍ حَسَنٍ, فَبَيْنَا أَنَا أَجُولُ فِيهَا أَتَعَجَّبُ مِنْ حُسْنِهَا, إِذَا أَنَا بِطَائِرٍ أَخْضَرَ, وَجَارِيَةٍ تُطَارِدُهُ, كَأَنَّهَا تُرِيدُ أَخْذَهُ, قَالَتْ: فَشَغَلَنِي حُسْنُهَا عَنْ حُسْنِهِ, فَقُلْتُ: مَاذَا تُرِيدِينَ مِنْهُ, دَعِيهِ فَوَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ طَائِرًا قَطُّ هُوَ أَحْسَنُ مِنْهُ، قَالَتْ: فَقَالَتْ: فَهَلاَّ أُرِيكِ شَيْئًا هُوَ أَحْسَنُ مِنْهُ؟ قَالَ: قُلْتُ: بَلَى, قَالَتْ: فَأَخَذَتْ بِيَدِي, فَأَدَارَتْ بِي فِي تِلْكَ الرَّوْضَةِ, حَتَّى انْتَهَتْ بِي إِلَى بَابِ قَصْرٍ فِيهَا، فَاسْتَفْتَحَتْ, فَفُتِحَ لَهَا، ثُمَّ قَالَتِ: افْتَحُوا لِي بَيْتَ المقة، قَالَتْ: فَفُتِحَ لَهَا بَابٌ شَاعَ مِنْهُ شُعَاعٌ, وَاسْتَنَارَ مِنْ ضَوْءِ نُورِهِ مَا بَيْنَ يَدَيَّ وَمَا خَلْفِي، قَالَتْ: فَدَخَلَتْ وَقَالَتْ لِي: ادْخُلِي, قَالَتْ: فَدَخَلْتُ فِي بَيْتٍ يَحَارُ فِيهِ الْبَصَرُ تَلأَلُؤًا وَحُسْنًا مَا أَعْرِفُ لَهُ فِي الدُّنْيَا شَبِيهًا أُشَبِّهُهُ بِهِ, قَالَتْ: فَبَيْنَا نَحْنُ نَجُولُ فِيهِ, إِذْ رُفِعَ لَنَا بَابٌ يَخْرِقُ إِلَى بُسْتَانٍ, قَالَتْ: فَأَهْوَتْ نَحْوَهُ وَأَنَا مَعَهَا, فَتَلَقَّانَا فِيهِ وُصَفَاءُ كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ اللُّؤْلُؤُ, بِأَيْدِيهِمُ الْمَجَامِرُ، فَقَالَتْ لَهُمْ: أَيْنَ تُرِيدُونَ؟ قَالُوا: نُرِيدُ فُلاَنًا, قُتِلَ فِي الْبَحْرِ شَهِيدًا، قَالَتْ: أَفَلاَ تُجَمِّرُوا هَذِهِ الْمَرْأَةَ؟ قَالُوا: قَدْ كَانَ لَهَا فِي ذَلِكَ حَظٌّ, فَتَرَكَتْهُ، قَالَتْ: فَأَرْسَلَتْ يَدَهَا مِنْ يَدِي, ثُمَّ أَقْبَلَتْ عَلَيَّ فَقَالَتْ:
صَلاَتُكِ نُورٌ وَالْعِبَادُ رُقُودُ ... وَنَوْمُكِ ضِدٌّ لِلصَّلاَةِ عَنِيدُ
وَعُمْرُكِ غُنْمٌ إِنْ عَقَلْتُ وَمُهْلَةٌ ... يَسِيرُ وَيَفْنَى دَائِبًا وَيَبِيدُ
قَالَتْ: ثُمَّ غَابَتْ مِنْ بَيْنِ عَيْنِي, وَاسْتَيْقَظْتُ بَعْدَ الْفَجْرِ قَالَتْ: فَوَاللَّهِ مَا ذَكَرْتُهَا فَتَوَهَّمْتُهَا إِلاَّ طَاشَ عَقْلِي, وَأَنْكَرْتُهُ بِعَيْنَيَّ، قَالَ: ثُمَّ سَقَطَتْ رَابِعَةُ مَغْشِيًّا عَلَيْهَا.

الصفحة 95