كتاب التحبير لإيضاح معاني التيسير (اسم الجزء: 3)

والحديث دليل أنه لم ينص - صلى الله عليه وسلم - على أحد بالخلافة بعده، إذ لو كان نص على أحد لما قال العباس لعلي - عليه السلام - بما قال، ولا أجاب عليه بما أجاب، وللناس خلاف طويل، وقال وقيل في هذه المسألة ولسنا بذكره نطيل [249/ أ]، ويأتي طرف من ذلك قريباً. [350 ب].
2 - وَعَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ - رضي الله عنه - قَالَ: أَتَتْ امْرَأَةً النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فَكَلَّمَتْهُ فِي شَيْءٍ فَأَمَرَهَا أَنْ تَرْجِعَ، فَقَالَتْ: فَإِنْ لَمْ أَجِدْكَ: كَأَنَّهَا تَعْنِى المَوْتَ. قَالَ "فَإِنْ لَمْ تَجِدِيني فَأْتِى أَبَا بَكْرٍ". أخرجه الشيخان (¬1) والترمذي (¬2). [صحيح].
قوله: "في حديث جبير بن مطعم كأنها تعني الموت" هذا ظنٌ من قائله، بل يحتمل أنها تريد: إن لم أجدك بارزاً للناس فأمرها أن تأتي أبا بكر؛ لأنه يبلغ إليه حاجتها، فقد كان أكثر الصحابة ملازمة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن كانت أرادت الموت فقد علم - صلى الله عليه وسلم - بكل كائنة بعده، وعلم أن أبا بكر يلي أمر الأمة بإرادة الله وإن لم ينص - صلى الله عليه وسلم - على أنه الخليفة من بعده، فمن استدل به على أنه - صلى الله عليه وسلم - استخلف أبا بكر فلا يتم له الاستدلال.
قال الحافظ ابن حجر (¬3) في قول عمر فيما أخرجه البخاري (¬4) وغيره (¬5): "إن استخلف فقد استخلف من هو خير مني أبو بكر، وإن أترك فقد ترك من هو خير مني رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - "، فيه رد على من جزم كالطبري [ومثل بكر بن عبد الواحد] (¬6)، وبعده ابن حزم: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استخلف أبا بكر، ووجهه جزم عمر بأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يستخلف.
¬__________
(¬1) البخاري في "صحيحه" رقم (3659) وطرفاه: (7220، 7360) ومسلم في "صحيحه" رقم (2386).
(¬2) في "السنن" رقم (3677).
(¬3) في "فتح الباري" (13/ 208).
(¬4) في "صحيحه" رقم (7218).
(¬5) في "صحيحه" رقم (1823).
(¬6) كذا في المخطوط، والذي في "فتح الباري": وقبله بكر بن أخت عبد الواحد.

الصفحة 744