كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 3)

" صفحة رقم 10 "
أمن داخله ، فكأنه قيل : فيه آيات بينات مقام إبراهيم ، وأمن داخله . ألا ترى أنك لو قلت فية آية بينة من دخله كان آمناً صحّ ، لأنه في معنى فيه آية بينة أمن مَن دخله انتهى سؤاله وجوابه وليس بواضح . لأن تقديره وأمن الداخل ، هو مرفوع عطفاً على مقام إبراهيم ، وفسر بهما الآيات . والجملة من قوله : ومن دخله كان آمناً لا موضع لها من الإعراب ، فتدافعا إلا أنْ اعتقد أنّ ذلك معطوف محذوف يدل عليه ما بعده ، فيمكن التوجيه . فلا يجعل قوله : ومن دخله كان آمناً في معنى : وأمن داخله ، إلا من حيث تفسير المعنى لا تفسير الإعراب . قال الزمخشري : ويجوز أن يذكر هاتين الآيتين ويطوي ذكر غيرهما دلالة على تكاثر الآيات ، كأنه قيل : فيه آيات بينات مقام إبراهيم وأمن من دخله وكثير سواهما . ونحوه في طي الذكر قول جرير : كانت حنيفة أثلاثاً فثلثهم
من العبيد وثلث من مواليها
ومنه قوله ( صلى الله عليه وسلم ) ) : ( حبب إليّ من دنياكم ثلاث : الطيب ، والنساء ، وقرة عيني في الصلاة ) انتهى كلامه . وفيه حذف معطوفين ، ولم يذكر الزمخشري في إعراب مقام إبراهيم إلا أنه عطف بيان لقوله : آيات بينات . ورد عليه ذلك ، لأن آيات نكرة ، ومقام إبراهيم معرفة ، ولا يجوز التخالف في عطف البيان . وقوله مخالف لإجماع الكوفيين والبصريين ، فلا يلتفت إليه . وحكم عطف البيان عند الكوفيين حكم النعت ، فتتبع النكرة النكرة والمعرفة المعرفة ، وقد تبعهم في ذلك أبو علي الفارسي . وأما عند البصريين فلا يجوز إلا أنْ يكونا معرفتين ، ولا يجوز أنْ يكونا نكرتين . وما أعربه الكوفيون ومن وافقهم : عطف بيان وهو نكرة على النكرة قبله ، أعربه البصريون بدلاً ، ولم يقم لهم دليل على تعيين عطف البيان في النكرة ، فينبغي أن لا يجوز . والأولى والأصوب في إعراب مقام إبراهيم أنْ يكون خبر مبتدأ محذوف تقديره : أحدها : أي أحد تلك الآيات البينات مقام إبراهيم . أو مبتدأ محذوف الخبر تقديره منها : أي من الآيات البينات مقام إبراهيم . ويكون ذكر المقام لعظمه ولشهرته عندهم ، ولكونه مشاهداً لهم لم يتغير ، ولاذ كاره إياهم دين أبيهم إبراهيم . وأما على قراءة من قرأ : آية بينة بالتوحيد ، فإعرابه بدل ، وهو بدل معرفة من نكرة موصوفة ، كقوله تعالى : ) وَإِنَّكَ لَتَهْدِى إِلَى صِراطٍ مُّسْتَقِيمٍ صِراطِ اللَّهِ ( ويكون الله تعالى قد أخبر عن هذه الآية العظيمة وحدها وهي مقام إبراهيم لما ذكرنا ، وإنْ كان في البيت آيات كثيرة . واختلفوا في تفسير مقام إبراهيم . فقال

الصفحة 10