كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 3)

" صفحة رقم 16 "
ومعجزة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) . ) وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ ( جملة حالية فيها تهديد ووعيد . أيْ إنّ مَن كان الله مطَّلعاً على أعماله مشاهداً له في جميع أحواله لا يناسبه أن يكفر بآياته ، فلا يجامع العلم بأن الله مطلع على جميع أعمال الكفر بآيات الله ، لأن من تيقن أن الله مجازيه لا يكاد يقع منه الكفر الذي هو أعظم الكبائر . وأتت صيغة ( شهيد ) لتدل على المبالغة بحسب المتعلق . لأن الشهادة يراد بها العلم في حق الله ، وصفاته تعالى من حيث هي هي لا تقبل التفاوت بالزيادة والنقصان . فإذا جاءت الصفة من أوصافة للمبالغة فذلك بحسب متعلقاتها . وتقدّم الكلام على ( لم ) وحذف الألف من ما الاستفهامية إذا دخل عليها الجار . وقوله : ( على ما تعملون ) متعلق بقوله : شهيد . وما موصولة . وجوزوا أنْ تكون مصدرية ، أي على عملكم .
آل عمران : ( 99 ) قل يا أهل . . . . .
( قُلْ ياأَهْلَ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَن تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ ءامَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجاً وَأَنْتُمْ شُهَدَاء وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ( لمّا أنكر عليهم كفرهم في أنفسهم وضلالهم ، ولم يكتفوا حتى سعوا في إضلال مَنْ آمن ، أنكر عليهم تعالى ذلك ، فجمعوا بين الضلال والإضلال ) مِن سُندُسٍ سَنَةٍ سَيّئَةٌ فَعَلَيْهِ ). وصدّ : لازم ومتعد . يقال : صد عن كذا ، وصد غيره عن كذا . وقراءة الجمهور : يصدون ثلاثياً ، وهو متعد ومفعوله مَنْ آمن . وقرأ الحسن : تصدُّون من أصدّ ، عدى صدّ اللازم بالهمز ، وهما لغتان .
وقال ذو الرّمة :
أناس أصدُّوا الناس بالسيف عنهم
ومعنى صد هنا : صرف . وسبيل الله : هو دين الله ، وطريق شرعه ، وقد تقدّم أنها تذكر وتؤنث . ومن التأنيث قوله : فلا تبعد فكل فتى أناس
سيصبح سالكاً تلك السبيلا
قال الراغب : وقد جاء ) مّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ( دون قل ، وجاء هنا قل . فبدون قل هو استدعاء منه تعالى لهم إلى الحق ، فجعل خطابهم منه استلانة للقوم ليكونوا أقرب إلى الانقياد . ولما قصد الغض منهم ذكر قل تنبيهاً على أنهم غير مستأهلين أنْ يخاطبهم بنفسه ، وإنْ كان كلا الخطابين وصل على لسان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) . وأطلق أهل الكتاب على المدح تارة ، وعلى الذّم أخرى . وأهل القرآن والسنة لا ينطلق إلا على المدح ، لأن الكتاب قد يراد به ما افتعلوه دون ما أنزل الله نحواً : ) يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ( وقد يراد به ما أنزل الله . وأيضاً فقد يصحُّ أنْ يُقال على سبيل الذمّ والتهكم ، كما لو قيل : يا أهل الكتاب لمن لا يعمل بمقتضاه ، انتهى ما لخص من كلامه .
والهاء في يبغونها عائدة على السبيل . قال الزجاج والطبري : يطلبون لها اعوجاجاً . تقول العرب : ابغني كذا بوصل الألف ، أي اطلبه . أي وأبغني بقطع الألف أعني على طلبه . قال الزمخشري : ( فإن قلت ) كيف يبغونها عوجاً وهو محال ؟ ( قلت ) فيه معنيان : أحدهما : أنكم تلبسون على الناس حتى توهموهم أنَّ فيها عوجاً بقولكم : إن شريعة موسى لا تنسخ ، وبتغييركم صفة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) عن وجهها ، ونحو ذلك . والثاني : أنكم تتعبون أنفسكم في إخفاء الحق ، وابتغاء ما لا يتأتى لكم من وجود العوج فيما هو أقوم من كل مستقيم انتهى . وقيل : يبغون هنا من البغي وهو التعدي . أي يتعدّون عليها ، أو فيها . ويكون عوجاً على هذا التأويل نصبه على الحال من الضمير في تبغون

الصفحة 16