كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 3)

" صفحة رقم 29 "
المحذوف ، إذ الكلام مستغن عنه تام بنفسه . والباء في بالحق باء المصاحبة ، فهي في موضع الحال من ضمير المفعول أي : ملتبسة بالحق . وقال الزمخشري : ملتبسة بالحق والعدل من جزاء المحسن والمسيء بما يستوجبانه انتهى . فدسّ في قوله بما يستوجبانه دسيسة اعتزالية . ثم أخبر تعالى أنه لا يريد الظلم ، وهذا لم يرده لم يقع منه لأحد . فما وقع منه تعالى من تنعيم قوم وتعذيب آخرين ليس من باب الظلم ، والظلم وضع الشيء في غير موضعه . روى أبو ذر أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) قال فيما يروى عن ربه عز وجل أنه قال : ) يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرّماً فلا تظالموا ( وفي الحديث الصحيح أيضاً أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) قال : ) إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ الْمُؤْمِنُ حَسَنَةٌ يَرْغَبُ عَن مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِى الاْخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبّ الْعَالَمِينَ وَوَصَّى بِهَا ( وقيل : المعنى لا يزيد في إساءة المسيء ولا ينقص من إحسان المحسن ، وفيه تنبيه على أن تسويد الوجوه عدل انتهى .
وللعالمين في موضع المفعول للمصدر الذي هو ظلم ، والفاعل محذوف مع المصدر التقدير : ظلمه ، والعائد هو ضمير الله تعالى أي : ليس الله مريداً أن يظلم أحداً من العالمين . ونكر ظلماً لأنّه في سياق النفي ، فهو يعم . وقيل : المعنى أنه تعالى لا يريد ظلم العالمين بعضهم لبعض . واللفظ ينبو عن هذا المعنى ، إذ لو كان هذا المعنى مراداً لكان من أحق به من الكلام ، فكان يكون التركيب : وما الله يريد ظلماً من العالمين . وقال الزمخشري : وما الله يريد ظلماً فيأخذ أحذاً بغير جرم ، أو يزيد في عقاب مجرم ، أو ينقص من ثواب محسن ، ثم قال : فسبحان من يحلم عن من يصفه بإرادة القبائح والرّضا بها ، انتهى كلامه جارياً على مذهبه الاعتزالي . ونقول له : فسبحان من يحلم عمن يصفه بأن يكون في ملكه ما لا يريد ، وإن إرادة العبد تغلب إرادة الرب تعالى الله عن ذلك .
آل عمران : ( 109 ) ولله ما في . . . . .
( وَللَّهِ مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الاْرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الامُورُ ( لما ذكر أحوال الكافرين والمؤمنين ، وأنه يختص بعمل من آمن فيرحمهم به ، ويختص بعمل من كفر فيعذبهم ، نبه على أنَّ هذا التصرف هو فيما يملكه ، فلا اعتراض عليه تعالى . ودلت الآية على اتساع ملكه ومرجع الأمور كلها إليه ، فهو غني عن الظلم ، لأن الظلم إنما يكون فيما كان مختصاً به عن الظالم . وتقدم شرح هاتين الجملتين فأغنى ذلك عن إعادته .
قالوا وتضمنت هذه الآيات الطباق : في تبيضّ وتسودّ ، وفي اسودّت وابيضّت ، وفي أكفرتم بعد إيمانكم ، وفي بالحق وظلماً . والتفصيل : في فأمّا وأمّا . والتجنيس : المماثل في أكفرتم وتكفرون . وتأكيد المظهر بالمضمر في : ففي رحمة الله هم فيها خالدون . والتكرار : في لفظ الله . ومحسنه : أنه في جمل متغايرة المعنى ، والمعروف في لسان العرب إذا اختلفت الجمل أعادت المظهر لا المضمر ، لأن في ذكره دلالة على تفخيم الأمر وتعظيمه ، وليس ذلك نظير .
لا أرى الموت يسبق الموت شيء

الصفحة 29