كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 3)

" صفحة رقم 39 "
إذ هم الذين أخبروا بكينونة هذا الجائز في العقل ووقوعه ، فصار الإيمان به واجباً .
الرابعة : الأمر بالمعروف .
الخامسة : النهي عن المنكر ، لما كملوا في أنفسهم سعوا في تكميل غيرهم بهذين الوصفين .
السادسة : المسارعة في الخيرات . وهي صفة تشمل أفعالهم المختصة بهم ، والأفعال المتعدية منهم إلى غيرهم . وهذه الصفات الثلاثة ناشئة أيضاً عن الإيمان ، فانظر إلى حسن سياق هذه الصفات حيث توسط الإيمان ، وتقدمت عليه الصفة المختصة بالإنسان في ذاته وهي الصلاة بالليل ، وتأخرت عنه الصفتان المتعدّيتان والصفة المشتركة ، وكلها نتائج عن الإيمان .
( وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ ( هذه إشارة إلى من جمع هذه الصفات الست ، أي وأولئك الموصوفون بتلك الأوصاف من الذين صلحت أحوالهم عند الله . قال الزمخشري : ويجوز أن يريد بالصالحين المسلمين انتهى . ويشبه قوله قول ابن عباس من أصحاب محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) . وفيما قاله الزمخشري بعد بل : الظاهر أنَّ في الوصف بالصلاح زيادة على الوصف بالإسلام ، ولذلك سأل هذه الرتبة بعض الأنبياء فقال تعالى حكاية عن سليمان على نبينا وعليه أفضل الصلاة وأتم التسليم : ) وَأَدْخِلْنِى بِرَحْمَتِكَ فِى عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ( وقال تعالى في حق إبراهيم عليه السلام : ) وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِى الاْخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ( وقال تعالى : ) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلاًّ جَعَلْنَا صَالِحِينَ ( وقال تعالى بعد ذكر إسماعيل : ) وَإِدْرِيسَ وَذِى الْكِفْلِ كُلٌّ مّنَ الصَّابِرِينَ وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِى رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مّنَ الصَّالِحِينَ ). وقال : ) وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ ( ومن للتبعيض . وقال ابن عطية : ويحسن أن تكون لبيان الجنس انتهى . ولم يتقدم شيء فيه إبهام فيبين جنسه .
آل عمران : ( 115 ) وما يفعلوا من . . . . .
( وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَروهُ ( قرأ نافع وابن عامر وابن كثير وأبو بكر بالتاء فيهما على الخطاب ، واختلفوا في المخاطب . فقال أبو حاتم : هو مردود إلى قوله : ) كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ ( فيكون من تلوين الخطاب ومعدوله . وقال مكي : التاء فيها عموم لجميع الأمة . والذي يظهر أنها التفات إلى قوله : أمة قائمة ، لما وصفهم بأوصاف جليلة اقبل عليهم تأنيساً لهم واستعطافاً عليهم ، فخاطبهم بأنّ ما تفعلون من الخير فلا تمنعون ثوابه . ولذلك اقتصر على قوله : من خير ، لأنه موضع عطف عليهم وترحم ، ولم يتعرض لذكر الشرّ . ومعلوم أن كل ما يفعل من خير وشر يترتب عليه موعوده . ويؤيد هذا الالتفات وأنه راجع إلى أمة قائمة قراءة الياء ، وهي قراءة : ابن عباس ، وحمزة ، والكسائي ، وحفص ، وعبد الوارث عن أبي عمرو ، واختيار أبي عبيد ، وباقي رواة أبي عمرو ، خير بين التاء والياء ، ومعلوم في هذه القراءة ، ومعلوم في هذه القراءة أن الضمير عائد على أمة قائمة ، كما عاد في قوله تعالى : يتلون وما بعده . وكفر : يتعدّى إلى واحد ، يقال : كفر النعمة ، وهنا ضمن معنى حرم ، أي : فلن تحرموا ثوابه ، ولما جاء وصفه تعالى بأنه شكور في معنى توفية الثواب ، نفى عنه تعالى نقيض الشكر وهو كفر الثواب ، أي حرمانه .
( وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ ( لما كانت الآية واردة فيمن اتصف بالأوصاف الجميلة ، وأخبر تعالى أنه يثيب على فعل الخير ناسب ختم الآية بذكر علمه بالمتقين ، وإن كان عالماً بالمتقين وبضدهم . ومعنى عليم بهم : أنه مجازيهم على تقواهم ، وفي ذلك وعد للمتقين ، ووعيد للمفرطين .
آل عمران : ( 116 ) إن الذين كفروا . . . . .
( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغْنِىَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلاَ أَوْلادُهُم مّنَ اللَّهِ شَيْئًا ( تقدم تفسير هذه الجملة في أوائل هذه السورة .
( وَأُوْلئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ( تقدم تفسير نظير هذه الجملة في أوائل البقرة ، ومناسبة هذه الآية لما قبلها ظاهرة . وأنه لما ذكر شيئاً من أحوال المؤمنين ذكر شيئاً من أحوال الكافرين ليتضح الفرق بين القبيلين .
آل عمران : ( 117 ) مثل ما ينفقون . . . . .
( مَثَلُ مَا

الصفحة 39