كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 3)

" صفحة رقم 44 "
) وإذ لقوكم قالوا آمنا ( هذا الإخبار جرى على منازعتهم في التوراة والستر والخبث ، إذ لم يذكروا متعلق الإيمان ، ولكنَّهم يوهمون المؤمنين بهذا اللفظ أنهم مؤمنون .
( وَإِذَا خَلَوْاْ ( أي خلا بعضهم ببعض وانفردوا دونكم . والمعنى : خلت مجالسهم ، منكم ، فأسند الخلو إليهم على سبيل المجاز .
( عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الاْنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ ( وظاهره فعل ذلك ، وأنه يقع منهم عض الأنامل لشدة الغيظ مع عدم القدرة على إنفاذ ما يريدون . ومنه قول أبي طالب : وقد صالحوا قوماً علينا أشحة
يعضون عضاً خلفنا بالأباهم
وقال الآخر : إذا رأوني أطال الله غيظهم
عضوا من الغيظ أطراف الأباهيم
وقال الآخر : وقد شهدت قيس فما كان نصرها
قتيببة إلا عضها بالأباهم
وقال الحرث بن ظالم المرّي : وأقتل أقواماً لئاماً أذلة
يعضون من غيظ رؤوس الأباهم
ويوصف المغتاظ والنادم بعض الأنامل والبنان والإبهام . وهذا العض هو بالأسنان ، وهي هيئة في بدن الإنسان تتبع هيئة النفس الغاضبة . كما أن ضرب اليد على اليد يتبع هيئة النفس المتلهفة على فائت قريب الفوت . وكما أن قرع السن هيئة تتبع هيئة النفس النادمة ، إلى غير ذلك من عد الحصى والخط في الأرض للمهموم ونحوه . ويحتمل أن لا يكون ثَمَّ عض أنامل ، ويكون ذلك من مجاز التمثيل عبر بذلك عن شدة الغيظ ، والتأسف على ما يفوتهم من إذايتكم . ونبه تعالى بهذه الآية على أن من كان بهذه الأوصاف من : بغض المؤمنين ، والكفر بالقرآن ، والرياء بإظهار ما لا ينطوي عليه باطنه ، جدير بأن لا يتخذ صديقاً .
( قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ ( ظاهره : أنه ( صلى الله عليه وسلم ) ) أمر بأن يقول لهم ذلك . وهي صيغة أمر ، ومعناها الدّعاء أن : أذن الله لنبيه أن يدعو عليهم لمّا يئس من إيمانهم ، هذا قول الطبري . وكثير من المفسرين قالوا : فله أن يدعو مواجهة . وقيل : أمر هو وأمته أن يواجهوهم بهذا . فعلى هذا زال معنى الدعاء ، وبقي معنى التقريع ، قاله : ابن عطية . وقيل : صورته أمر ، ومعناه الخبر ، والباء للحال أي تموتون ومعكم الغيظ وهو على جهة الذم على قبيح ما عملوه . وقال الزمخشري : دعا عليهم بأن يزداد غيظهم حتى يهلكوا به . والمراد بزيادة الغيظ ما يغيظهم من قوة الإسلام وعزة أهله ، وما لهم في ذلك من الذل والخزي والتبار انتهى كلامه . وليس ما فسر به ظاهر قوله : قل موتوا بغيظكم ، ويكون ما قاله الزمخشري يشبه قولهم : مت بدائك ، أي أبقى الله داءك حتى تموت به . لكنْ في لفظ الزمخشري زيادة الغيظ ، ولا يدل عليه لفظ القرآن . قال بعض شيوخنا : هذا ليس بأمر جازم ، لأنه لو كان أمراً لماتوا من فورهم كما جاء فقال لهم الله

الصفحة 44