" صفحة رقم 479 "
مخاطبون بفروع الشريعة ، ولا يقوى هذا الاستدلال ، لأنه يكنى عن المقام في النار مدة بالصحة ، ( وذلك جزاء للظالمين ( أي : وكينونتك من أصحاب النار جزاؤك ، لأنك ظالم في قتلي ، ونبه بقوله ) الظالمين ( على السبب الموجب للقتل ، وأنه قتل بظلم لا بحق ، والظاهر أنه من كلام هابيل ، نبهه على العلة ليرتدع ، وقيل : هو من كلام الله تعالى ، لا حكاية كلام هابيل ، بل إخبار منه تعالى للرسول - ( صلى الله عليه وسلم ) -
المائدة : ( 30 ) فطوعت له نفسه . . . . .
فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله ( قال ابن عباس : بعثته على قتله ، وقال أيضاً : هو مجاهد : شجعته ، وقال قتادة : زينت له ، وقال الأخفش : رخصت ، وقال المبرد : من الطوع ، والعرب تقول : طاع له كذا أي : أتاه طوعاً ، وقال ابن قتيبة : تابعته وانقادت له ، وقال الزمخشري : وسعته له ويسرته ، من طاع له المرتع إذا اتسع ، وهذه أقوال متقاربة في المعنى ، وهو فعل من الطوع ، وهو الانقياد ، كأن القتل كان ممتنعاً عليه متعاصياً ، أصله : طاع له قتل أخيه ، أي : انقاد له وسهل ، ثم عدي بالتضعيف ، فصار الفاعل مفعولاً ، والمعنى : أن القتل في نفسه مستصعب عظيم على النفوس ، فردته هذه النفس اللحوح الأمارة بالسوء ، طائعاً منقاداً حتى أوقعه صاحب هذه النفس ، وقرأ الحسن وزيد بن علي والجراح والحسن بن عمران وأبو واقد ) فطاوعته ( فيكون فاعل فيه الاشتراك ، نحو : ضاربت زيداً ، كأن القتل يدعوه بسبب الحسد إصابة قابيل ، أو كأن النفس تأبى ذلك ، ويصعب عليها ، وكل منهما يريد أن يطيعه الآخر إلى أن تفاقم الأمر ، وطاوعت النفس القتل فوافقته ، وقال الزمخشري فيه وجهان ، أن يكون مما جاء من فاعل بمعنى فعل ، وأن يراد أن قتل أخيه كأنه دعا نفسه إلى الإقدام عليه ، فطاوعته ولم تمتنع ، و ) له ( لزيادة الربط ، كقولك : حفظت لزيد ماله انتهى ، فأما الوجه الثاني ، فهو موافق لما ذكرناه ، وأما الوجه الأول ، فقد ذكر سيبويه : ضاعفت وضعفت ، مثل ناعمت ونعمك ، وقال : فجاؤوا به على مثال عاقبته ، وقال : قد يجيء ، فاعلت ، لا يريد بها عمل اثنين ، ولكنهم بنوا عليه الفعل ، كما بنو على أفعلت ، وذكر أمثلة منها : عافاه الله ، وهذا المعنى ، وهو أن فاعل بمعنى فعل أغفله بعض المصنفين من أصحابنا في التصريف ، كابن عصفور وابن مالك ، وناهيك بهما جمعاً واطلاعاً ، فلم يذكرا أن فاعل يجيء بمعنى فعل ، ولا فعل بمعنى فاعل ، قوله ، و ) له ( الزيادة الربط ، يعني في قوله ) فطوعت له نفسه ( يعني : أنه لو جاء فطوعت نفسه قتل أخيه لكان كلاماً تاماً جارياً على كلام العرب ، وإنما جيء به على سبيل زيادة الربط للكلام ، إذ الربط يحصل بدونه ، كما أنك لو قلت : حفظت مال زيد ، كان كلاماً تاماً ) فقتله ( أخبر تعالى أنه قتله ، وتكلم المفسرون في أشياء من كيفيته ، ومكان قتله وعمره حين قتل ، ولهم في ذلك اختلاف ، ولم تتعرض الآية لشيء من ذلك ، ( فأصبح من الخاسرين ( أصبح : بمعنى ضار ، وقال ابن عطية : أقيم بعض الزمان مقام كله ، وخص الصباح بذلك ، لأنه بدء النهار والانبعاث إلى الأمور ومظنة النشاط ، ومنه قول الربيع : أصبحت لا أحمل السلاح ولا
وقول سعد : ثم أصبحت بنو سعد تعززني على الإسلام إلى غير ذلك ، من استعمال العرب لما ذكرناه انتهى ، وهذا الذي ذكره من تعليل كون ) أصبح ( عبارة عن جميع أوقاته وأقيم بعض الزمان مقام كله ، بكون الصباح خص بذلك ، لأنه بدء النهار ليس بجيد ، ألا ترى أنهم جعلوا أضحى وظل أمسى وبات بمعنى صار ، وليس منها شيء بدء النهار ، فكلما جرت هذه مجرى صار كذلك ) أصبح ( لا للعلة التي ذكرها ابن عطية ، قال ابن عباس : خسر في الدنيا بإسخاط والديه وبقائه بغير أخ ، وفي الآخرة بإسخاط ربه وصيرورته إلى النار ، وقال الزجاج ) من الخاسرين ( للحسنات ، وقال