كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 3)

" صفحة رقم 49 "
وقال الأعشى : وما بوّأ الرحمن بيتك منزلا
بشرقيّ أجياد الصفا والمحرم
ومقاعد : جمع مقعد ، وهو هناك مكان القعود . والمعنى : مواطن ومواقف . وقد استعمل المقعد والمقام في معنى المكان . ومنه : ) فِى مَقْعَدِ صِدْقٍ ( ) وَقَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ ).
وقال الزمخشري : وقد اتسع في قعد وقام حتى أجريا مجرى صار انتهى . أمّا إجراء قعد مجرى صار فقال أصحابنا : إنما جاء في لفظة واحدة وهي شاذة لا تتعدى ، وهي في قولهم : شحذ شفرته حتى قعدت كأنها حربة ، أي صارت . وقد نقد على الزمخشري تخريج قوله تعالى : ) فَتَقْعُدَ مَلُومًا عَلَى ( أن معناه : فتصير ، لأن ذلك عند النحويين لا يطرد . وفي اليواقيت لأبي عمر الزاهد قال ابن الأعرابي : القعد الصيرورة ، والعرب تقول : قعد فلان أميراً بعدما كان مأموراً أي صار . وأمّا إجراء قام مجرى صار فلا أعلم أحداً عدّها في أخوات كان ، ولا ذكر أنها تأتي بمعنى صار ، ولا ذكر لها خبراً إلا أبا عبد الله بن هشام الحضراوي فإنه قال في قول الشاعر : على ما قام يشتمني لئيم
إنها من أفعال المقاربة
وقال ابن عطية : لفظة القعود أدل على الثبوت ، ولا سيما أنّ الرماة إنما كانوا قعوداً ، وكذلك كانت صفوف المسلمين أولاً ، والمبارزة والسرعان يجولون . وجمع المقاعد لأنه عيّن لهم مواقف يكونون فيها : كالميمنة والميسرة ، والقلب ، والشاقة . وبيّن لكل فريق منهم موضعهم الذي يقفون فيه .
خرج ( صلى الله عليه وسلم ) ) بعد صلاة الجمعة ، وأصبح بالشعب يوم السبت للنصف من شوال ، فمشى على رجليه ، فجعل يصف أصحابه للقتال كأنما يقوم بهم القدح . إنْ رأى صدراً خارجاً قال : ( تأخر ) ، وكان نزوله في غدوة الوادي ، وجعل ظهره وعسكره إلى أحد . وأمر عبد الله بنَ جبير على الرماة وقال لهم : ( انصحوا عنا بالنبل ) لا يأتونا من ورائنا ) .
وتبوىء جملة حالية من ضمير المخاطب . فقيل : هي حال مقدرة ، أي خرجت قاصد التبوئة ، لأن وقت الغدو لم يكن وقت التبوئة . وقرأ الجمهور تبوىء من بوّأ . وقرأ عبد الله : تبوِّىء من أبوأ ، عداه الجمهور بالتضعيف ، وعبد الله بالهمزة . وقرأ يحيى بن وثاب : تبوى بوزن تحيا ، عداه بالهمزة ، وسهل لام الفعل بإبدال الهمزة ياء نحو : يقرى في يقرىء . وقرأ عبد الله : للمؤمنين بلام الجر على معنى : ترتب وتهيىء . ويظهر أنَّ الأصل تعديته لواحد بنفسه ، وللآخر باللام لأن ثلاثيه لا يتعدى بنفسه ، إنما يتعدى بحرف جر .
وقرأ الأشهب : مقاعد القتال على الإضافة ، وانتصاب مقاعد على أنه مفعول ثان لتبوى . ومَنْ قرأ للمؤمنين كان مفعولاً لتبوىء ، وعداه باللام كما في قوله : ) وَإِذْ بَوَّأْنَا أَنَاْ لإِبْراهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ ( وقيل : اللام في لابراهيم زائدة ، واللام في للقتال لام العلة تتعلق بتبوىء . وقيل : في موضع الصفة لمقاعد . وفي الآية دليل على أن الأئمة هم الذين يتولون أمر العساكر ويختارون لهم المواضع للحرب ، وعلى

الصفحة 49