كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 3)

" صفحة رقم 50 "
الأجناد طاعتهم قاله : الماتريدي . وهو ظاهر .
( وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ( أي سميع وقوالكم ، عليم بنياتكم . وجاءت هاتان الصفتان هنا لأنّ في ابتداء هذه الغزوة مشاورة ومجاوبة بأقوال مختلفة ، وانطواء على نيات مضطربة حبسما تضمنته قصة غزوة أُحد .
آل عمران : ( 122 ) إذ همت طائفتان . . . . .
( إِذْ هَمَّتْ طَّائِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ ( الطائفتان : بنو سلمة من الخزرج ، وبنو حارثة من الأوس ، وهما الجناحان قاله : ابن عباس ، وجابر ، والحسن ، وقتادة ، ومجاهد ، والربيع ، والسدي ، وجمهور المفسرين . وقيل : الطائفتان هما من الأنصار والمهاجرين .
روي أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) خرج في ألف . وقيل : في تسعمائة وخمسين ، والمشركون في ثلاثة آلاف . ووعدهم الفتح إن صبروا ، فانخذل عبد الله بن أبي بثلث الناس . وسببُ انخذاله أنه أشار على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) بالمدينة حين شاوره رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) ولم يشاوره قبلها ، فأشار عليه بالمقام في المدينة فلم يفعل وخرج ، فغضب عبد الله وقال : أطاعهم ، وعصاني . وقال : يا قوم علامَ نقتل أنفسنا وأولادنا ، فتبعهم عمرو بن حزم الأنصاري . وفي رواية أبو جابر السلمي فقال : أنشدكم الله في نبيكم وأنفسكم . فقال عبد الله : لو نعلمُ قتالاً لاتبعناكم ، فهم الجبان باتباع عبد الله ، فعصمهم الله ومضوا مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) . قال ابن عباس : أضمروا أن يرجعوا ، فعزم الله لهم على الرشد فثبتوا ، وهذا لهمّ غير مؤاخذ به ، إذ ليس بعزيمة ، إنما هو ترجيح من غير عزم . ولا شك أن النفس عندما تلاقى الحروب ومن يجالدها يزيد عليها مثلين وأكثر ، يلحقها بعض الضعف عن الملاقاة ، ثم يوطئها صاحبها على القتال فتثبت وتستقر . ألا ترى إلى قول الشاعر : وقولي : كلما جشأت وجاشت
مكانك تحمدي أو تستريحي
وإذ همت : بدل من إذ غدوت . قال الزمخشري : أو عمل فيه معنى سميع عليم انتهى . وهذا غير محرر ، لأن العامل لا يكون مركباً من وصفين ، فتحريره أن يقول : أو عمل فيه معنى سميع أو عليم ، وتكون المسألة من باب التنازع . وجوز أن يكون معمولاً لتبوى ، ولغدوت . وهمّ يتعدى بالباء ، فالتقدير : بأن تفشلا والمعنى : أن تفشلا عن القتال . وأما أحسن قول الشاعر في التحريض على القتال والنهي عن الفشل : قاتلوا القوم بالخداع ولا
يأخذكم عن قتالهم فشل
القوم أمثالكم لهم شعر
في الرأس لا ينشرون إن قتلوا
وأدغم السبعة تاء التأنيث في الطاء ، وعن قالون خلاف ذكرناه في عقد اللآلىء في القراءات السبع العوالي من إنشائنا . والظاهر أن هذا لهم كان عند تبوئة الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ) مقاعد للقتال وانخذال عبد الله بمن انخذل . وقيل : حين أشاروا عليه بالخروج وخالفوا عبد الله بن أبي . وفي قوله : طائفتان إشارة لطيفة إلى الكناية عن من يقع منه ما لا يناسب والستر عليه ، إذ لم يعين الطائفتين بأنفسهما ، ولا صح بمن هما منه من القبائل ستراً عليهما .
( وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا ( معنى الولاية هنا التثبيت والنصر ، فلا ينبغي لهما أن يفشلا . وقيل : جعلها من أوليائه المثابرين على طاعته . وفي البخاري عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : فينا نزلت ) إِذْ هَمَّتْ طَّائِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا ( قال : نحن الطائفتان بنو

الصفحة 50