كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 3)

" صفحة رقم 51 "
حارثة ، وبنو سلمة . وما تحب أنها لم تنزل لقول الله : ) وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا ( ، قال ذلك جابر لفرط الاستبشار بما حصل لهم من الشرف بثناء الله ، وإنزاله فيهم آية ناطقة بصحة الولاية ، وأنّ تلك الهمة المصفوح عنها لكونها ليست عزماً ، كانت سبباً لنزولها . وقرأ عبد الله : والله وليهم أعاد الضمير على المعنى لا على لفظ التثنية ، كقوله : ) وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُواْ ( ) هَاذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُواْ ( وهذه الجملة لا موضع لها من الإعراب ، بل جاءت مستأنفة لثناء الله على هاتين الطائفتين .
( وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ( لما ذكر تعالى ما همت به الطائفتان من الفشل ، وأخبر تعالى أنه وليهما ، ومَنْ كان الله وليه فلا يفوض أمره لا إليه . أمرهم بالتوكل عليه ، وقدم المجرور للاعتناء بمن يتوكل عليه ، أو للاختصاص على مذهب من يرى ذلك . ونبّه على الوصف الذي يقتضي ذلك وهو الإيمان ، لأنَّ مَنْ آمن بالله خير أن لا يكون اتكاله إلا عليه ، ولذلك قال : ) وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ( وأتى به عاماً لتندرج الطائفتان الهامّتان وغيرهم في هذا الأمر ، وأن متعلقة من قام به الإيمان . وفي هذا الأمر تحريض على التغبيط بما فعلته الطائفتان من اتباع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) والمسير معه .
آل عمران : ( 123 ) ولقد نصركم الله . . . . .
( وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ ( لمّا أمرهم بالتوكل عليه ذكّرهم بما يوجب التوكل عليه ، وهو ما سنى لهم ويسر من الفتح والنصر يوم بدر ، وهم في حال قلة وذلة ، إذ كان ذلك النصر ثمرة التوكل عليه والثقة به . والنصر المشار إليه ببدر بالملائكة ، أو بإلقاء الرعب ، أو بكف الحصى التي رمى بها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) ، أو بإرادة الله لقوله : ) وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ ( أقوال .
والجملة من قوله : وأنتم أذلة حال من المفعول في نصركم ، والمعنى : وأنتم أذلة في أعين غيركم ، إذ كانوا أعزة في أنفسهم ، وكانوا بالنسبة إلى عدوهم ، وجميع الكفار في أقطار الأرض عند المتأمل مغلوبين . وقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) : ( اللهم إن تهلك هذه العصابة لم تعبد ) .
والأذلة : جمع ذليل . وجمع الكثرة ذلان ، فجاء على جمع القلة ليدل أنهم كانوا قليلين . والذلة التي ظهرت لغيرهم عليهم هي ما كانوا عليه من الضعف وقلة السلاح والمال والمركوب . خرجوا على النواضح يعتقب النفر على البعير الواحد ، وما كان معهم من الخيل إلا فرس واحد ، ومع عدوهم مائة فرس . وكان عدد المسلمين ثلاثمائة رجل وثلاثة عشر رجلاً : سبعة وسبعون من المهاجرين وصاحب رايتهم علي بن أبي طالب ، ومائتان وستة وثلاثون من الأنصار وصاحب رايتهم سعد بن عبادة . وقيل : ثلاثمائة وستة عشر رجلاً . وقيل : ثلاثمائة وأربعة عشر رجلاً . وفي رواية : ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً . وكان عدوهم في حال كثرة زهاء ألف مقاتل . وما أحسن قول الشاعر : وقائلة ما بال أسوة عاديا
تفانت وفيها قلة وخمول
تعيرنا أنا قليل عديدنا
فقلت لها إن الكرام قليل
وما ضرنا أنا قليل وجارنا
عزيز وجار الأكثرين ذليل
والنصر ببدر هو المشهور الذي قتل فيه صناديد قريش ، وعلى يوم بدر انبنى الإسلام . وكان يوم الجمعة السابع عشر من رمضان لثمانية عشر شهراً من الهجرة .
( فَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ( أمر بالتقوى مطلقاً . وقيل : في الثبات مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) وترجيه الشكر إمّا على الأنعام السابق بالنصر يوم بدر ، أو على الأنعام المرجو أنْ يقع . فكأنه قيل : لعلكم ينعم عليكم نعمة أخرى فتشكرونها . وضع الشكر موضع الأنعام لأنه سبب له .
آل عمران : ( 124 ) إذ تقول للمؤمنين . . . . .
( إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيكُمْ

الصفحة 51