كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 3)

" صفحة رقم 73 "
اسم الفاعل . فكما لا يجوز جاء زيد وضاحكاً ، كذلك لا يجوز جاء زيد ويضحك . فإنْ أوّلَ على أن المضارع خبرُ مبتدأ محذوف أمكن ذلك ، التقدير : وهو يعلم الصابرين كما أولوا قوله : نجوت وأرهنهم مالكاً ، أي وأنا أرهنهم . وخرج غير الزمخشري قراءة الرفع على استئناف الاخبار ، أي : وهو يعلم الصابرين .
وفي إنكار الله تعالى على من ظنّ أنّ دخول الجنة يكون مع انتفاء الجهاد ، والصبر عند لقاء العدوّ دليل على فرضية الجهاد إذ ذاك ، والثبات للعدوّ وقد ذكر في الحديث : ( أن التولي عند الزحف من السبع الموبقات ) .
آل عمران : ( 143 ) ولقد كنتم تمنون . . . . .
( وَلَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ ( الخطاب للمؤمنين ، وظاهره العموم والمراد الخصوص . وذلك أن جماعة من المؤمنين لم يحضروا غزوة بدر ، إذ كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) إنما خرج مبادراً يريد عير القريش ، فلم يظنوا حرباً ، وفاز أهل بدر بما فازوا به من الكرامة في الدنيا والآخرة ، فتمنوا لقاء العدوّ ليكون لهم يوم كيوم بدر ، وهم الذين حرضوا على الخروج لأحد . فلما كان في يوم أحد ما كان من قتل عبد الله بن قميئة مصعب بن عمير الذّاب عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) ظاناً أنه رسول الله وقال : قتلت محمداً وصرخ بذلك صارخ ، وفشاد ذلك في الناس انكفوا فارّين ، فدعاهم الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ) ( إلي عباد الله ) حتى انحازت إليه طائفة واستعذروا عن انكفافهم قائلين : أتانا خبر قتلك ، فرعبت قلوبنا ، فولينا مدبرين ، فنزلت هذه الآية تلومهم على ما صدر منهم مع ما كانوا قرروا على أنفسهم من تمني الموت . وعبر عن ملاقاة الرجال ومجالدتهم بالحديد بالموت ، إذ هي حالة تتضمن في الأغلب الموت ، فلا يتمناها إلا من طابت نفسه بالموت . ومتمني الموت في الجهاد ليس متمنياً لغلبة الكافر المسلم ، إنما يجيء إلا من طابت نفسه بالموت . ومتمني الموت في الجهاد ليس متمنياً لغلبة الكافر المسلم ، إنما يجيء ذلك في الضمن لا أنه مقصود ، إنما مقصده نيل رتبة الشهادة لما فيه من الكرامة عند الله . وأنشد عبد الله بن رواحة وقد نهض إلى موته وقال لهم : ردّكم الله تعالى فقال : لكنني أسأل الرحمن مغفرة
وضربة ذات فرع تقذف الزبدا
حتى يقولوا إذا مروا على جدثي
رشد الله من غاز وقد رشدا
) مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ ( : أي من قبل أن تشاهدوا شدائده ومضائقه . وضمير المفعول في تلقوه عائد على الموت ، وقيل : على العدوّ ، وأضمر لدلالة الكلام عليه . والأوّل أظهر ، لأنه يعود على مذكور . وقرأ النخعي والزهري : تلا قوه ومعناها ومعنى تلقوه سواء ، من حيثُ أنّ معنى لقي يتضمن أنه من اثنين ، وإنْ لم يكنْ على وزن فاعل . وقرأ مجاهد من قبلُ بضم اللام مقطوعاً عن الإضافة ، فيكون موضع أنْ تلقوه نصباً على أنه بدل اشتمال من الموت . فقد رأيتموه أي عاينتم أسبابه وهي الحرب المستعرة كما قال :
لقد رأيت الموت قبل ذوقه
وقال : ووجدت ريح الموت من تلقائهم
في مأزق والخيل لم تتبدّد

الصفحة 73