كتاب المعاملات المالية أصالة ومعاصرة (اسم الجزء: 3)
ويناقش:
بأن قياس غير الطعام على الطعام لا يصح؛ لأن القاعدة الشرعية أن الشيء إذا عظم قدره شدد فيه، وكثرت شروطه تعظيمًا لشأنه ورفعًا لقدره، وكلما عظم شرف الشيء عظم خطره عقلًا وشرعًا وعادة.
ومن تطبيقات هذه القاعدة: خصوص المنع من بيع الشيء قبل قبضه بالطعام دون غيره، وذلك أن الطعام أشرف من غيره؛ لكونه سبباً لقيام البنية، وعماد الحياة، وهو غذاء الإنسان وحافظ بنيته الشريفة، فشدد الشرع على عادته من تكثير الشروط فيما عظم شرفه، فكل ما شرف قدره عظمه الله بتكثير شروطه، وهذا هو شأن الشرع في كل ما عظم خطره.
ويتأكد ذلك بمفهوم نهيه عليه الصلاة والسلام (عن بيع الطعام حتى يستوفى) فمفهومه أن غير الطعام يجوز بيعه قبل قبضه، ولو لم يكن كذلك ما كان في تخصيص الطعام فائدة، وما لا توفية فيه كالجزاف يجوز بيعه قبل قبضه، ولو كان طعاماً.
ومن تطبيقات هذه القاعدة أيضًا النكاح، فإن النكاح عظيم الخطر، جليل المقدار؛ لأنه سبب بقاء النوع الإنساني المكرم المفضل على جميع المخلوقات، وسبب العفاف الحاسم لمادة الفساد، واختلاط الإنساب، وسبب المودة والمواصلة والسكون وسبب استمرار النسل، فلما كان كذلك شدد الشرع فيه تفخيمًا لقدره باشتراط الصداق والشهادة والولي والإعلان وخصوص الألفاظ، ومقابل هذه القاعدة أن الشرع يوسع فيما كان على سبيل الإحسان والمعروف، ويسهل في أسبابه، وييسر شروطه، ويغتفر فيه ما لا يغتفره فيما ليس كذلك، فالقرض، والهبة، والصدقة، والوصايا، وأعطيات الناس من بيت
الصفحة 35
536