كتاب المعاملات المالية أصالة ومعاصرة (اسم الجزء: 3)
وجه الاستدلال:
دل أثر ابن عمر على أن الأصل في المال المعقود عليه مما لا يحتاج إلى استيفاء، أنه من ضمان المشتري، ولو لم يقبضه.
ودل حديث عبد الله بن عمرو بمنطوقه على النهي عن ربح ما لم يضمن، ومفهومه الإذن بالربح فيما كان من ضمان المشتري، فما دخل في ضمانه، فله أن يربح فيه، والإذن بالربح إذن بالتصرف، فدل على جواز التصرف في المبيع قبل القبض، إذا كان ضمانه قد استقر على المشتري (¬١)، كالمبيع الذي لا يحتاج
---------------
(¬١) يقول ابن رجب في القواعد (القاعدة: الثانية والخمسون): "في التصرف في المملوكات قبل قبضها، وهي منقسمة إلى عقود، وغيرها، والعقود نوعان:
أحدهما: عقود المعاوضات، وتنقسم إلى بيع، وغيره.
فأما البيع، فقالت طائفة من الأصحاب: التصرف قبل القبض والضمان متلازمان، فإن كان البيع مضمونًا على البائع لم يجز التصرف فيه للمشتري حتى يقبضه، وإن كان قبل القبض من ضمان المشتري جاز له التصرف فيه، وصرح بذلك القاضي في الجامع الصغير وغيره، وجعلوا العلة المانعة من التصرف توالي الضمانات.
وفي المذهب طريقة أخرى: وهي أنه لا تلازم بين التصرف والضمان، فيجوز له التصرف، والضمان على البائع، كما في بيع الثمرة قبل جدها، فإنه يجوز في أصح الروايتين، وهي مضمونة على البائع ... ".
وقد اعتبر ابن القيم في تهذيب السنن (٥/ ١٥٤) من كمال الشريعة ومحاسنها النهي عن الربح فيه حتى يستقر عليه ويكون من ضمانه، فييئس البائع من الفسخ، وتنقطع علقه عنه. ويستثنى من مسألة النهي عن الربح فيما لم يضمن مسألتان:
إحداهما: بيع الثمار بعد بدو صلاحها، فيجوز لمشتريها أن يبيعها على رؤوس الأشجار، وأن يربح فيها، ولو تلفت بجائحة لكانت من ضمان البائع.
والمسألة الثانية: يجوز للمستأجر أن يؤجر العين المستأجرة بمثل الأجرة وزيادة، مع أنها لو تلفت لكانت من ضمان المؤجر، فهذا ربح ما لم يضمن.
وأجيب عن ذلك:
أولاً: هاتان المسألتان ليستا محل إجماع بين الفقهاء، فقد نص أحمد في إحدى روايتيه =
الصفحة 45
536