كتاب المعاملات المالية أصالة ومعاصرة (اسم الجزء: 3)

إلى كيل، أو وزن أو عد أو ذرع أو نحوها، وهذا هو الذي جعل المال
---------------
= على منع بيع مثل ذلك. وبناء على هذه الرواية لا يعترض فيها أحد بالنقض، ولا يستثنى شيء من النهي عن الربح فيما لم يضمن.
ثانيًا: أن الثمر على رؤوس الشجر في حكم المقبوض؛ لأنه قد خلَّي بينه وبينها، ولو تلفت من فعل المشتري لكانت من ضمانه.
ثالثًا: أن الحاجة تدعو إلى جواز بيعها، فإن الثمار قد لا يمكن بيعها إلا كذلك، فلو منعناه من بيعها أضررنا به، ولو جعلناه من ضمانه إذا تلفت بجائحة أضررنا به أيضًا، فجوزنا له بيعها لأنها في حكم المقبوض بالتخلية بينه وبينها، وجعلناها من ضمان البائع بالجائحة؛ لأنها ليست في حكم المقبوض من جميع الوجوه، ولهذا يجب عليه تمام التسليم بالوجه المحتاج إليه، فلما كانت مقبوضة من وجه، وغير مقبوضة من وجه رتبنا على الوجهين مقتضاهما، وهذا من ألطف الفقه. انظر تهذيب السنن (٥/ ١٥٤، ١٥٥).
وأما مسألة الإجارة: فاختلفت الرواية عن أحمد في جواز إجارة الرجل ما استأجره بزيادة على ثلاث روايات:
إحداهن: المنع مطلقًا؛ لئلا يربح فيما لم يضمن، وعلى هذا فالنقض مندفع.
والثانية: أنه إن جدد فيها عمارة جازت الزيادة، وإلا فلا؛ لأن الزيادة لا تكون ربحًا، بل هي في مقابلة ما أحدثه من العمارة، وعلى هذه الرواية أيضاً فالنقض مندفع.
والثالثة: أنه يجوز أن يؤجرها بأكثر مما استأجرها مطلقًا، وهذا مذهب الشافعي، وهذه الرواية أصح، فإن المستأجر لو عطل المكان وأتلف منافعه بعد قبضه لتلف من ضمانه؛ لأنه قبضه القبض التام، ولكن لو انهدمت الدار لتلفت من مال المؤجر، لزوال محل المنفعة، فالمنافع مقوضة، ولهذا له استثناؤها بنفسه وبنظيره، وإيجارها، والتبرع بها، ولكن كونها مقبوضة مشروط ببقاء العين، فإذا تلفت العين زال محل الاستيفاء، فكانت من ضمان المؤجر.
وسر المسألة: أنه لم يربح فيما لم يضمن، وإنما هو مضمون عليه بالأجرة. انظر تهذيب السنن (٥/ ١٥٥، ١٥٦).
ويقول ابن رجب في القواعد (١/ ٣٨٧): "ويصح إجارتها -يعني العين- بمثل الأجرة، وبأزيد في إحدى الروايتين، وفي الأخرى يمنع بزيادة لدخوله في ربح ما لم يضمن، والصحيح الجواز؛ لأن المنافع مضمونة على المستأجر في وجه، بدليل أنه لو عطلها حتى فاتت من غير استيفاء تلفت من ضمانه، فهي كالثمر في رؤوس الشجر، فهو مضمون عليه بإتلافه".

الصفحة 46