كتاب المعاملات المالية أصالة ومعاصرة (اسم الجزء: 3)

القول الثاني:
لا تلازم بين التصرف والضمان، وهو قول في مذهب الحنابلة.
واستدلوا: بأن المنافع المستأجرة يجوز أن يؤجرها المستأجر، وهي مضمونة على المؤجر الأول، والثمر المبيع على شجره يجوز بيعه، وهو مضمون على البائع الأول (¬١)، والمقبوض قبضًا فاسدًا كالمكيل إذا قبض جزافًا، ينتقل الضمان فيه إلى المشتري، ولا يجوز التصرف فيه قبل كيله (¬٢)، وبيع الدين على من هو في ذمته جائز عند جماهير العلماء، وليس مضمونًا على مالكه، وكذلك المالك يتصرف في المغصوب والمعار والمقبوض قبضًا بعتهد فاسد، وضمانها على القابض (¬٣).
يقول ابن تيمية - رحمه الله -: "ومن جعل التصرف تابعًا للضمان فقد غلط؛ فإنهم متفقون على أن منافع الإجارة إذا تلفت قبل تمكن المستأجر عن استيفائها، كانت من ضمان المؤجر، ومع هذا للمستأجر أن يؤجرها بمثل الأجرة، وإنما تنازعوا في إيجارها بأكثر من الأجرة؛ لئلا يكون ذلك ربحًا فيما لا يضمن، والصحيح جواز ذلك؛ لأنها مضمونة على المستأجر؛ فإنها إذا تلفت مع تمكنه
---------------
(¬١) والدليل على أنه مضمون على البائع الأول ما رواه مسلم من حديث جابر: "إذا بعت من أخيك ثمرة، فأصابتها جائحة، فلا يحل لك أن تأخذ من ثمنها شيئًا، بم يأخذ أحدكم مال أخيه بغير حق؟ ".
(¬٢) مثاله: رجل اشترى عشرين صاعاً من صبرة طعام ونحوها مما يشترط في إقباضه الكيل، فقبض الصبرة كلها، فإن هذا القبض قبض فاسد لا يبيح له التصرف إلا بتميز ملكه عن مالك البائع، ومع هذا لو تلفت تحت يده كانت من ضمانه. انظر مجموع الفتاوى (٢٩/ ٤٠٠).
(¬٣) انظر قواعد ابن رجب (القاعدة: الثانية والخمسون)، وانظر مجموع الفتاوى (٢٩/ ٣٩٨)، وانظر مسألة ضمان المبيع إذا لم يكن فيه حق توفية من هذا المجلد.

الصفحة 53