كتاب الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة (اسم الجزء: 3)

القراءاتِ عنه: أردتُ مرّةً أن أقرَأَ شيئًا من الأصُول على ابن الوَرّاق فسَمِعَ بذلك فاستَدعاني فحَضَرْتُ بين يدَيْه، فأخَذَ بأُذُني ثم قال لي: أتقرَأُ الأصُولَ؟ فقلت: نعم، فمَدَّ بأُذُني ثم قال لي: منَ الفُضول، أعمى يقرَأُ الأصُول.
وظهَرَت عليه كثيرٌ من كراماتِ الأولياء وأُثِرَتْ عنهُ، كسَماع الأذانِ مِرَارًا لا تُحصَى بجامع مِصرَ وقتَ الزَّوال من غيرِ المؤذِّنين؛ وقال: جَرَتْ بينَه وبينَ الشّيطان مُخاطبةٌ، فقال لي: فعلت كذا وكذا فسأَهلِكُ، فقلتُ له: والله ما أُبالي بك.
وقال: كنتُ يومًا في طريق وتخَلَّف عنّي مَن كان معي وأنا على الدّابة، وأقبَلَ اثنانِ فسَبَّني أحَدُهما سبًّا قبيحًا وأقبَلْتُ على الاستعاذة، وبقِيَ كذلك ما شاء الله، ثم قال ليَ الآخرُ: دَعْه، وفي تلك الحال لَحِقَني مَن كان معي (¬1) فأخبَرتُه بذلك فطُلِب يمينًا وشمالًا فلم يَجِدْ أحدًا. وكان يعذِلُ أصحابَه في السِّرِّ على أشياءَ لا يعلَمُها إلا اللهُ عزَّ وجَلّ؛ وكان يعتَلُّ العِلّةَ الشديدةَ فلا يَشتكي ولا يتَأوَّهُ، وإذا سُئل عن حالِه قال: العافية، لا يزيدُ على ذلك؛ وكان ضَريرًا، فإذا جَلَسَ إليه من لا يَعرِفُه لا يَرتابُ في أنه يُبصِر؛ لأنه -لذكائه- لا يَظهَرُ عليه ما يَظهَرُ على الأعمى في حركاتِه. وكان مُجتنِبًا فُضولَ الكلام فلا يتكلَّمُ إلّا فيما تدعو إليه الضّرورة، ويمنَعُ جُلَساءه من الخَوْض في شيءٍ [166 و] إلا في العلم والقرآن، ولا يجلسُ للإقراءِ إلّا على طهارةٍ في هيئةٍ حَسَنة وخُضوع واستكانة.
وتصَدَّر للإقراءِ بالمدرسةِ الفاضِليّة (¬2) من القاهرة، ثم تَرَكَه وأقبَلَ على التدريسِ إلى حين وفاتِه، وانتفَعَ به خَلْقٌ كثيرٌ لا يُحْصَوْنَ كثرةً.
وله منظوماتٌ علميّةٌ ظهَرَ فيها عِلمُه واقتدارُه على ما يُحاولُ، منها: القصيدةُ الفريدة المسَمَّاة: "حِرْزَ الأماني ووَجْهَ التّهاني" أودَعَها القراءاتِ السَّبع، وكان يقولُ: لا يقرَأُ أحدٌ قصيدتي هذه إلّا نفَعَه اللهُ بها؛ لأنّي نظمتُها لله سبحانَه؛ وقصيدةٌ أخرى وَسَمَها بـ"عَقيلةِ القصائد في أسنَى المقاصِد" ضمَّنَها رَسْمَ المُصحَف. ومن
¬__________
(¬1) زاد في م: وأنا على الدابة.
(¬2) في الأصول: "الفاضيلية"، محرفة.

الصفحة 463