كتاب الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة (اسم الجزء: 3)

لاحتْ لنا من ذُراها الشُّمِّ شاهقةٌ ... تُدني لِزُهر الدّرَاري كفَّ مُلتمسِ
وقدأغَذَّتْ بنافي اليمِّ جاريةٌ ... سَوداءُ لا تستطيعُ الجريَ في يَبَسِ
كأنّها وعُبابُ الماءِ يُزعجُها ... تنُصّ جِيدَ مُراعي اللحظِ مختلسِ
كأنّ بِيضَ نواحيها إذا انتشَرتْ ... لواءُ صبحٍ بدا في سُدْفَةِ الغَلَسِ
تُنازعُ الريحُ منها صعبَ مِقوَدِها ... فتَرتمي بعِنانٍ مُسْمِحٍ سَلِسِ
لولا حِذاريَ أن أُذكي لها لَهبًا ... زَجَّيتُها برياحِ الشوقِ من نَفَسي
يا ليتَ شعريَ والآمالُ مُعوِزةٌ ... وربّما أَمكَنَتْ يومًا لمُختلسِ
هل يُدْنُوَنَّ مَزارُ الشوقِ إنّ بهِ ... ما شئتَ من نُهَزٍ للأُنس أو خُلَسِ
وهل تَعُودَنَّ أيامٌ رشَفْتُ بها ... سُلافةَ العَيْش أحلى من جَنَى اللَّعَسِ
حيث انبسَطْنا مع اللّذاتِ تنقُلُنا ... أيدي المسَرّاتِ من عيدٍ إلى عُرُسِ
ولمّا (¬1) شاعَ الخَبرُ المُبهجُ المسلمينَ جميعًا حينئذٍ بفتح بيتِ المقدِس على يدِ السُّلطان الناصِر صَلاح الدِّين أبي المظفَّر يوسُفَ بن أيّوبَ بن بُوري، رحمه اللهُ، وكان يومُ فتحِه يومَ السّبت لثلاثَ عشْرةَ ليلةً بقِيَتْ من رجَبِ ثلاثٍ وثمانينَ وخمس مئة، كان ذلك من أقوى الأسبابِ التي بعثَتْه على الرِّحلة الثانية، فتحرَّك لها من غَرْناطةَ أيضًا يومَ الخميس لتسعٍ خَلَوْنَ من ربيع الأول من سنة خمسٍ وثمانينَ، قال: وقفَى اللهُ برحمتِه لي بالجَمْع بينَ زيارةِ الخليل عليه السّلام وزيارةِ المصطفى - صلى الله عليه وسلم - غَرْناطةَ يومَ المساجدِ الثلاثة في عام واحد متوجّهًا وفي شهرٍ واحد مُنصرِفًا. ووَصلَ إلى غَرْناطةَ يومَ الخميس لثلاثَ عشْرةَ خَلَت من شعبانِ سبع وثمانين.
وفي أثناءِ المُدّة التي بينَ قُفولِه من الرِّحلة الثانية ورحلتِه الثالثة سَكَنَ غَرْناطةَ ثم مالَقةَ ثم فاسَ ثم سَبْتةَ مُنقطِعًا إلى إسماع الحديثِ [183 و] والتصَوُّف وتَرْويةِ ما كان عندَه، وفَضلُه معَ ذلك يزيد ووَرَعُه يتحقَّقُ وأعمالُه الصّالحةُ تَزْكو.
¬__________
(¬1) انظر الإحاطة 2/ 232.

الصفحة 512