كتاب الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة (اسم الجزء: 3)

حَسَنُ بن أبي الحَسَن عليّ ابن القَطّان [183 ظ] فأجاز لهم. ولم يزَلْ يُروَى عنه ويُسمَعُ منه ويُستجازُ من البلادِ حيثما حَلّ. وممّن رَوى عنه بمِصرَ: رَشيدُ الدِّين أبو الحُسَين يحيى بنُ عليّ بن عبد الله بن عليّ بن مُفرِّج القُرَشيّ ابنُ العَطّار وفَخْر القُضاة ابنُ الجَبَّاب وابنُه جمالُ القُضاة وعِزُّ القُضاة.
وكان أديبًا بارِعًا كاتبًا بليغًا، شاعزا مُجِيدًا، سَنِيًّا فاضلًا، نزيهَ الهمّة، سرِيَّ النَّفْس، كريمَ الأخلاق، أنيقَ الطريقةِ في الخَطّ، كتَبَ في شَبِيبتِه عن أبي سعيدٍ عثمانَ بن عبد المُؤمن وعن غيرِه من ذوي قَرابتِه، وله فيهم أمداحٌ كثيرة، ثُم نزَعَ عن ذلك وتوَجَّه إلى المشرِق. وكذلك جَرَتْ بينَه وبينَ طائفةٍ كبيرة من أُدباءِ عصرِه مُخاطَباتٌ ظَهَرَت فيها بَراعتُه وإجادتُه.
ونَظْمُه فائقٌ وقَفْتُ منه على مجلَّد متوسِّط يكونُ قدرَ ديوانِ أبي تَمّام حَبِيب ابن أَوْس جَمْعَ أبي بكرٍ الصُّوليِّ أو نحوَ ذلك، ومنه جُزءٌ سمّاه: "نتيجةَ وَجْدِ الجوانح في تأبينِ القَرينِ الصّالح" أودَعَه قِطَعًا وقصائدَ في مَراثي زوجِه أُمِّ المجدِ المذكورة بعدِ وفاتِها والتوجُّع لها أيامَ حياتِها تزيدُ بيوتُه على ثلاث مئة، سوى موشَّحاتٍ خمسٍ جعَلَها قريبًا من آخِرِه؛ ومنه جزءٌ سَمّاه: "نَظْمَ الجُمان في التشَكِّي من إخوانِ الزّمان" يشتملُ على أزيَدَ من مئتَيْ بيتٍ في قِطَع؛ وله ترسيلٌ بديع وحِكَم مستجادةٌ، دُوِّنَ ذلك كلُّه ونُقِل عنه.
فمِن حِكَمِه: قولُه (¬1): إنْ شَرُفَ الإنسان، فبفضلٍ وإحسان، وإنْ فاق، فبتفَضُّل وإنفاق. ينبغي للإنسانِ أن يحفَظَ لسانَه (¬2)، كما يحفَظُ الجَفْنُ إنسانَه، فرُبَّ كلِمةٍ تُقال، تُحدِثُ عَثْرة لا تُقال. كمْ كَسَت فَلَتاتُ الألسِنة الحِداد، مَن وراءَها مِن ملابِس الحِداد. نحن في زمنٍ لا يَحظَى فيه بنَفاق، إلّا مَن عامَلَ بِنِفاق. شُغِلَ الناسُ عن طريق الآخِرة بزَخارفِ الأعراض، فلّجُّوا في الصّدودِ عنها والإعراض،
¬__________
(¬1) انظر الإحاطة 2/ 237.
(¬2) "للإنسان ... لسانه": سقطت من م ط.

الصفحة 514