كتاب الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة (اسم الجزء: 3)

وآنَ أن يَخافَ من العقابِ المتغزِّلُ المُراسِل، رُوَيْدَك -وأنا المراد - رُوَيْدَك، فقد طالما أوهَنْتَ في تلك الخُزَغبَلاتِ عمُرَكَ وأيْدَك، وعَصَيْتَ في النُّصح عَمرَكَ وزَيْدَك، واتَّبَعتَ الأثرَ وترَكْتَ صَيْدَك، ودَراكِ دَراكِ (¬1)، سكونَ الحِرَاكِ، وخَلِّ عنك ساجِعاتِ الأَيْك، وقُلْ لها وراءَكِ وإلَيْك، ثم ما أنت وعهدُ ساكناتِ الخِيام، وإن كانت مِن مُبارَكاتِ الأيام! كم تسألُ عن أنباءِ سُعادَ سَعدًا! هلّا قلتَ قولَ الألِبَّاءِ: سُحْقًا للهوى وبُعدًا؛ هذا أوانُ الشَّرّ، يا مَن أرمَى على الأشَرِ، تعالَ فلْنَخْلَعْ تلك الليِّناتِ من الملابس، ولْنَرجع عن التُّرَّهاتِ البَسَابِس، ولْنَذَرِ الدِّيارَ وساكناتِها، ولْنُقِرَّ الأطيارَ على وُكُناتِها، ولْنذهبْ في مِنهاجٍ من صالح العمل، ولْنتأَهَّبْ لانزعاجٍ ليس يَسعَى به الجَمَل، هذا والله هُو الرأيُ السَّديد، عندَ ذَوي الرأيِ الحديد، ومعَ هذا، فلا بدَّ أنْ نَسلُكَ في مسألتِك أدنى سُبُل الإسعاف، ونتمسَّكَ من الجَوازِ بالأحْبُلِ الضعَاف، ونَتذوَّقَ حلاوةَ أخبارِ الاستهتارِ فلها طعمٌ لذيذ، ونُصدِّقَ إزْراءَ مَن أتانا بها صَفْراء يَزعُمُ أنّها نبيذ.
وقد ذكرتَ أن قومًا من الشُّعراء، ذَيَّلوا في بيتًا قد كان عندي منبوذًا بالعراء، وأردتَ أنْ أقفَ على أبياتِهم، وأعرِفَ كيف تفاوتُهم في غاياتِهم، وزَعمتَ أنّ لي بَصَرًا بالتفريق، بينَ مَن سار قَصْدًا أو حاد عن الطريق، فسأقفُ عليها وإن كان الباعُ قصيرًا، ولم يكنِ الناقدُ بصيرًا [الطويل]:
فإنْ لا أكُنْ كلَّ الشُّجاعِ فإنّني ... [بضربِ الطّلى والهامِ حقُّ عليم] (¬2)
وإلّا أكُنْ كلَّ الجوادِ فإنّني ... على الزّادِ في الظَّلماءِ غيرُ لئيمِ
قال أحدُهم [الوافر]:
فلولا أنّ مَرْءًا خافَ رَبًّا .... (البيت)
¬__________
(¬1) في م: ودارك در السكوت.
(¬2) ورد الشطر الثاني من هذا البيت في الأصول كالشطر الثاني من البيت الذي يليه. وهو خطأ لعله سهو من الناسخ، والبيتان لبعض بني أسد وقال التبريزي في شرح الحماسة: إنهما لعبد العزيز ابن زرارة، وانظر شرح المرزوقي 1/ 378 (القطعة: 83).

الصفحة 69