كتاب الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة (اسم الجزء: 3)

واشتَدّتِ الغُلّة، فلا شاف، كارتشاف، ولا مُطفئَ حريق، كرَشْفةِ رِيق. ولَعَمري! لقد شارَكَ في الصِّفة، من كان عنهُ الضميرُ فاسقَ الشَّفة، أيْؤْمَن (¬1) هذا الفاضل، وأين من؟ ومثله فلْيُؤتمنْ، غيرَ أنه يَبعُدُ عندي أن يكونَ الجازِرُ ينفُخُ ولا يَسلُخ، وكيف تجتمعُ شفاهُ الأحباب، ثم لا تُقرعُ حَلْقةُ الباب! وهل سمِعتَ بمن رتَعَ حولَ الحِمى وإن كان مُحترِزًا، إلّا صيَّرهُ جُرُزًا (¬2)؟
وخَبِّزني أمالَقى، مَن سألَ في شعرِه العُتْبى والرُّحمى أم عراقيّ، وقد سكَنَ الحِمى، ينسابُ في توصُّلِه إلى المأرِب انسيابَ الأيْم، ويَلِجُ بلطيف توسُّلِه على الكواكبِ أبوابَ الخَيْم، وكلُّ رفيق فذو توفيق.
وأمّا الذي فتنَتْه إحدى بناتِ النجَّار، فرَوْضُه في الشّعرِ أنفُ اليَنَمَةِ (¬3) والجَرجار (¬4)، نَيَّف على إخوانِه في اللُّزوم، وزَحَفَ إلى أقرانِه مشدودَ الحَيْزُوم، غيرَ أنّ في شعره [الوافر]:
فُتِنْتُ بها وقد فَتَنَتْ قديمًا ... حجيجَ مِنًى وقد فَتَنَتْ نجارَهْ
إنّي أُسائلُهُ (¬5) عن هذه المرأة: يا أبا الحَجّاج، كيف فَتَنَتْ قديمًا قلوبَ الحُجّاج، ثم لم يُغيِّر القِدَمُ بهجتَها، منذُ قضَتْ حجَّتَها؟! ولم يزَلِ القِدَمُ يُغيِّرُ الحدودَ والرسوم، فكيف الخدودُ والجُسوم؟ وأخبَرَ أنها الآنَ تُعمِّمُ رأسَها بضَفِير فَرْع، وهذا رأسٌ يجب أن يكونَ أرضًا غيرَ ذاتِ زَرْع، وليس هنا شُبْهة، في أنه كلَّه جَبْهة، ومَن أخبَرَكَ من الفَتَياتِ الناسكات أنّها مُسِنَّة، فقُلْ لهنّ: أنْ إنَّ إنَّه، مستحيلٌ غيرُ جائز، أن يَفتَتِنَ هذا الشاعرُ بالعجائز، فإن أزالَ [25 و] لفظةَ قديم، فأنا له أصحبُ من نَديم.
¬__________
(¬1) في م ط: "أنؤمن".
(¬2) أرض جرز: أُكل نباتها.
(¬3) في م ط: "النعمة".
(¬4) الينمة والجرجار: نوعان من النبات، والروض الأنف: المحمي الذي لا يرعاه أحد.
(¬5) في النسخ: "أسائلها".

الصفحة 72