كتاب مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (اسم الجزء: 3)

الْخَامِسَ عَشَرَ: إِرَادَةٌ غُرِسَتْ أَغْصَانُهَا فِي الْقَلْبِ. فَأَثْمَرَتِ الْمُوَافَقَةَ وَالطَّاعَةَ.
السَّادِسَ عَشَرَ: أَنْ يَنْسَى الْمُحِبُّ حَظَّهُ فِي مَحْبُوبِهِ، وَيَنْسَى حَوَائِجَهُ إِلَيْهِ. وَهُوَ لِأَبِي يَعْقُوبَ السُّوسِيِّ. وَمُرَادُهُ: أَنَّ اسْتِيلَاءَ سُلْطَانِهَا عَلَى قَلْبِهِ غَيَّبَهُ عَنْ حُظُوظِهِ وَعَنْ حَوَائِجِهِ. وَانْدَرَجَتْ كُلُّهَا فِي حُكْمِ الْمَحَبَّةِ.
السَّابِعَ عَشَرَ: مُجَانَبَةُ السُّلُوِّ عَلَى كُلِّ حَالٍ. وَهُوَ لِلنَّصْرَابَاذِيِّ. وَهُوَ أَيْضًا مِنْ لَوَازِمِهَا وَثَمَرَاتِهَا، كَمَا قِيلَ:
مَرَّتْ بِأَرْجَاءِ الْخَيَالِ طُيُوفَهُ ... فَبَكَتْ عَلَى رَسْمِ السُّلُوِّ الدَّارِسِ.
الثَّامِنَ عَشَرَ: تَوْحِيدُ الْمَحْبُوبِ بِخَالِصِ الْإِرَادَةِ وَصِدْقِ الطَّلَبِ.
التَّاسِعَ عَشَرَ: سُقُوطُ كُلِّ مَحَبَّةٍ مِنَ الْقَلْبِ إِلَّا مَحَبَّةَ الْحَبِيبِ. وَهُوَ لِمُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ. وَمُرَادُهُ: تَوْحِيدُ الْمَحْبُوبِ بِالْمَحَبَّةِ.
الْعِشْرُونَ: غَضُّ طَرَفِ الْقَلْبِ عَمَّا سِوَى الْمَحْبُوبِ غَيْرَةً. وَعَنِ الْمَحْبُوبِ هَيْبَةً. وَهَذَا يَحْتَاجُ إِلَى تَبْيِينٍ.
أَمَّا الْأَوَّلُ: فَظَاهَرٌ. وَأَمَّا الثَّانِي: فَإِنَّ غَضَّ طَرَفِ الْقَلْبِ عَنِ الْمَحْبُوبِ - مَعَ كَمَالِ مَحَبَّتِهِ - كَالْمُسْتَحِيلِ. وَلَكِنْ عِنْدَ اسْتِيلَاءِ الْهَيْبَةِ يَقَعُ مِثْلُ هَذَا. وَذَلِكَ مِنْ عَلَامَاتِ الْمَحَبَّةِ الْمُقَارِنَةِ لِلْهَيْبَةِ وَالتَّعْظِيمِ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ هَذَا تَفْسِيرُ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «حُبُّكَ الشَّيْءَ يُعْمِي وَيُصِمُّ» أَيْ يُعْمِي عَمَّا سِوَاهُ غَيْرَةً، وَعَنْهُ هَيْبَةً.

الصفحة 15