كتاب شعاع من المحراب (اسم الجزء: 3)

ولم يكتم النبي صلى الله عليه وسلم محبته إياه فأخبره بذلك وأوصاه «يا معاذ إني لأحبك في الله» قلت- والقائل معاذ بن جبل-: وأنا والله يا رسول الله أحبك في الله، قال: «أفلا أعلمك كلمات تقولهن دبر كل صلاة؟ رب أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك» (¬1).
وعلى الرغم من صغر سن معاذ بن جبل رضي الله عنه فقد كان الصحابة رضوان الله عليهم إذا تحدَّثُوا وفيهم معاذ نظروا إليه هيبَةً له (¬2).
وخطب عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالجالية فقال: (من أراد الفقه فليأت معاذ بن جبل)، وحَدَّث ابن مسعود رضي الله عنه فقال: (إن معاذ بن جبل كان أمةً قانتًا لله حنيفًا ولم يكن من المشركين) (¬3).
ومع هذه الخلال كلها ومع هذه الرفعة والمنزلة في الدنيا، فله نصيب وافر من المنزلة في الأخرى، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إن معاذًا يحشر يوم القيامة بين يدي العلماء برتوه» (¬4). فإذا كان هذا مقامه بين العلماء فلا تسأل عن مقامه من دونهم؟ ولهذا وصفه أبو نعيم فقال: معاذ بن جبل إمام الفقهاء وكنز العلماء (¬5). قال أحد الرواة لابن مسعود: إن إبراهيم كان أمةً قانتًا لله حنيفًا ولم يكن من المشركين، فقال ابن مسعود رضي الله عنه: (عن الأمة: معلم الخير، والقانت: المطيع، وإن معاذًا رضي الله عنه كان كذلك) (¬6).
¬_________
(¬1) أخرجه أبو داود والنسائي وصححه الحاكم ووافقه الذهب، 1/ 453.
(¬2) السابق 1/ 453.
(¬3) صححه الحاكم ووافقه الذهبي وعلق بعضه البخاري 1/ 451.
(¬4) الرَّتوة: هي رمية السهم، وقيل مَدُّ البصر.
(¬5) الإصابة 9/ 220.
(¬6) السير 1/ 451.

الصفحة 30