كتاب شعاع من المحراب (اسم الجزء: 3)

أخلاق السباع العادية، ومنهم من يكون على أخلاق الكلاب وأخلاق الخنازير وأخلاق الحمير، ومنهم من يتطوس بثيابه كما يتطوس الطاووس في ريشه، ومنهم من يكون بليدًا كالحمار، ومنهم من يؤثر على نفسه كالديك، ومنهم من يألف ويؤلف كالحمام، ومنهم الحقود كالجمل، ومنهم الذي هو خير كله كالغنم، ومنهم أشباه الثعالب التي تروغ كروغانها.
أما نكس القلب، فهو الذي يرى صاحبه الحق باطلاً والباطل حقًا، ويصد عن سبيل الله وهو يرى أنه يدعو إليه، ويشتري الضلالة بالهدى وهو يرى أنه على الهدى، ويتبع هواه وهو يزعم أنه مطيع لمولاه، وكل هذا من عقوبات الذنوب الجارية على القلب.
أما حجب القلب عن الله، فهو حجبه في الدنيا، والحجاب الأكبر يوم القيامة كما قال تعالى: {كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ} (¬1). فمنعتهم الذنوب أن يقطعوا المسافة بينهم وبين قلوبهم، فيصلوا إليها فروا ما يصلحها ويزكيها وما يفسدها ويشقيها.
وويل لمن حجب قلبه عن الله في الدنيا فتاه في أوديتها، وغمرته بزخارفها، وألهته عن طاعة مولاه والاستعداد لما وراءه، وويل ثم ويل لمن قدم على الله وهو محجوب عنه، ومن له غير الله والأمر أمره والشفاعة كلها بيد، - اللهم لا تصدنا ولا تحجبنا بسبب ذنوبنا-.
أما الداء العضال الآخر ... فهو: الختم على القلب، وجعل الغشاوة عليه والريبة والطبع عليه، وإغفاله عن ذكر الله، وإنساء الإنسان لنفسه، وجعل الصدر ضيقًا حرجًا كأنما يصعد في السماء، وصرف القلب عن الحق وزيادة
¬_________
(¬1) سورة المطففين، الآيتان: 14، 15.

الصفحة 72