كتاب شعاع من المحراب (اسم الجزء: 3)

بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً (150) أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً} (¬1).
فقد نصت الآية على كفر من زعم الإيمان بالله وكفر بالرسل، كما في قوله تعالى: {وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ} ولهذا قال الإمام القرطبي- رحمه الله- في تفسير هذه الآية: نص سبحانه على أن التفريق بين الله ورسله كفر، وإنما كان كفرًا لأن الله فرض على الناس أن يعبدوه بما شرعه على ألسنة الرسل، فإذا جحدوا الرسل ردوا عليهم شرائعهم، ولم يقبلوها منهم، فكانوا ممتنعين من التزام العبودية التي أُمِروا بالتزامها، فكان كجحد الصانع سبحانه، وجحد الصانع كفر لما فيه من ترك التزام الطاعة والعبودية وكذلك التفريق بين الله ورسله (¬2).
أيها الإخوة المسلمون، اقتضت حكمة الله تعالى الأمم الماضية أن يرسل في كل منها نذير {وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خلا فِيهَا نَذِيرٌ} (¬3)، ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم كانت عامة للبشر كلهم، وكانت خاتمة فلا رسالة بعدها. واقتضى عدل الله ألا يعذب أحدًا من الخلق حتى يكون البلاغ وتقوم الحجة {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} (¬4) ... {رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً} (¬5).
ولهذا كان الأنبياء والمرسلون عددًا كثيرًا، وجمًا غفيرًا، روى الإمام أحمد
¬_________
(¬1) سورة النساء، الآيتان: 150، 151.
(¬2) تفسير القرطبي 6/ 5.
(¬3) سورة فاطر، الآية: 24.
(¬4) سورة الإسراء، الآية: 15.
(¬5) سورة النساء، الآية: 165.

الصفحة 75