كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 3)

وعاقبه أشد العقاب.
[(وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلاَّ الْفَاسِقُونَ* أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ* وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ) 99 - 101].
(إِلاَّ الْفَاسِقُونَ) إلا المتمردون من الكفرة. وعن الحسن: إذا استعمل الفسق في نوع من المعاصي؛ وقع على أعظم ذلك النوع من كفر وغيره. وعن ابن عباس:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (عاقبه أشد العقاب) لزم المعاقبة من معنى العداوة؛ لأن معنى عداوة الله، إنزال النكال، ولزم شدة العقاب من إعادة ذكر اسم الله تعالى في الجزاء، وتخصيص اسم الذات الجامع المفيد في هذا المقام معنى القهارية، وتصريح ذكر الكافرين حيث لم يقل: عدو لهم، أي: فما بال العداوة التي يتولاها الله تعالى بنفسه، فإنه لجلاله يعاقب من عاداه بما لا يدخل تحت الوصف.
الراغب: العدو: التجاوز ومنافاة الالتئام، فتارة يعتبر بالقلوب، فيقال له: العداوة، وتارة في المشي فيقال له: العدو، وتارة في الإخلال بالعدالة في المعاملة فيقال له: العدوان. وحقيقة معاداة الإنسان له عز وجل: البعد عنه، ومخالفته في تحري الصدق في المقال، والحق في الفعال، وأن لا يستحق أن يوصف بشيء من أوصافه نحو العادل والجواد والكريم، والقريب منه والمحب له هو أن لا يخالفه في ذلك، وأن يصح أن يوصف بتلك الصفات. وتلك المعاني هي المقتضية لمعاداة الله وأوليائه والداعية إلى ارتكاب المعاصي.

الصفحة 10