كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 3)

(وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ) هم الذين (كَفَرُوا) باستعمال السحر وتدوينه، (يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ): يقصدون به إغواءهم وإضلالهم. (وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ): عطف على (السِّحْرَ)، أي: ويعلمونهم ما أنزل على الملكين. وقيل: هو عطف على (مَا تَتْلُوا)، أي: واتبعوا ما أنزل. و (هَارُوتَ وَمَارُوتَ): عطف بيان للملكين علمان لهما، والذي أنزل عليهما هو علم السحر؛ ابتلاء من الله للناس؛ من تعلمه منهم وعمل به كان كافراً، ومن تجنبه أو تعلمه لئلا يعمل به ولكن ليتوقاه، ولئلا يغتر به؛ كان مؤمناً:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (يقصدون به إغواءهم) تفسير لـ "يعلمون الناس"، وإنما أوله به لأنه استئناف على سبيل التعليل لقوله: (وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا) ومجرد تعليم السحر لا يوجب التكفير، فلابد من التأويل كما نص عليه، ودل عليه قوله تعالى: (وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ).
وقال أبو البقاء: "يعلمون" في موضع نصب على الحال من الضمير في "كفروا"، وقيل: هو حال من الشياطين، وليس بشيء؛ لأن "لكن" لا يعمل فيها.
قوله: ((وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ) عطف على (السِّحْرَ)) وهو من باب عطف البيان على المبين، فكذلك إذا كان معطوفاً على (مَا تَتْلُوا).
قوله: (أو تعلمه لئلا يعمل به) إلى قوله: (كان مؤمناً) فيه إشعار بأن تعلمه واجب لإيقاع قوله: "كان مؤمناً" مسبباً عما قبله لكونه جزاء للشرط المقيد، ولاستشهاده بقوله:
عرفت الشر لا للشر ... لكن لتوقيه
ومن لا يعرف الشر ... من الناس يقع فيه

الصفحة 16