كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 3)

فإن قلت: كيف أثبت لهم العلم أولاً في قوله: (وَلَقَدْ عَلِمُوا) على سبيل التوكيد القسمي، ثم نفاه عنهم في قوله: (لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)؟ قلت: معناه: لو كانوا يعملون بعلمهم، جعلهم حين لم يعملوا به كأنهم منسلخون عنه.
[(وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ* يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ* مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) 103 - 105].
(وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا) برسول الله والقرآن (وَاتَّقَوْا) الله فتركوا ما هم عليه من نبذ كتاب الله واتباع كتب الشياطين (لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ)، وقرئ: "لمثوبة" كمشورة ومشورة،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المجرور، فكأنه قيل: وما هم بضاري به أحد. قيل: يقرب هذا من قول سيبويه في: لا أبا لك على الإضافة، واللام لتأكيد الإضافة ولا يجوز أن يكون طرح النون من "بضاري" نحو طرحها في قول الشاعر:
الحافظو عورة العشيرة
لأن طرحها على هذا الحد إنما يجوز في المعرف باللام.
قوله: (وقرئ: لمثوبة) أي: بفتح الواو، قرأ بها قتادة وابن بريدة وأبو السمال.

الصفحة 24