كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 3)

تمنياً لإيمانهم على سبيل المجاز عن إرادة الله إيمانهم واختيارهم له، كأنه قيل: وليتهم آمنوا، ثم ابتدئ: (لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ).
كان المسلمون يقولون لرسول الله إذا ألقى عليهم شيئاً من العلم: راعنا يا رسول الله! أي: راقبنا وانتظرنا وتأن بنا حتى نفهمه ونحفظه، وكانت لليهود كلمة يتسابون بها عبرانية أو سريانية؛ وهي (راعينا)، فلما سمعوا بقول المؤمنين:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بقوله: "فتركوا ما هم عليه من نبذ كتاب الله واتباع كتب الشياطين" لينبه أيضاً على اتصاله بقوله: (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ) [البقرة: 102].
قوله: (تمنياً لإيمانهم على سبيل المجاز عن إرادة الله إيمانهم واختيارهم له) إشارة إلى مذهبه، وارتكب فيه أمراً عظيماً؛ لأن التمني أصله أن يستعمل فيما لا يتوقع حصوله، ولا يصح حمل هذا على إرادة الله إيمانهم، لا حقيقة ولا مجازاً؛ لأن الله تعالى إذا أراد شيئاً أن يقول كن فيكون.
فإن قلت: التمني مجاز عن بلوغ تماديهم في الطغيان إلى حد لا يمكن تصور الإيمان منهم.
يقال: فإذن يلزم أن يكون مراد الله مغلوباً بمرادهم. والحق أن يكون التمني من جهة العباد تنبيهاً من الله تعالى على إرادة الكفر منهم على معنى: أن من عرف حالهم قال ذلك على منوال: (وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ) [الصافات: 147] كما عليه مذهب أهل السنة.
المعنى: حصول إيمانهم غير ممكن؛ لأن الله تعالى يريد الكفر منهم، وإذ لا يمكن حصول الإيمان فيطلب كما تطلب المحالات بأن يقال في حقهم: ليتهم آمنوا!
قوله: (ثم ابتدئ: (لَمَثُوبَةٌ) أي: استؤنف. كأنهم لما تمنوا لهم ذلك، قيل لهم: ما هذا التحسر والتمني؟ فأجابوا: لأنا نعلم أن هؤلاء المجازفين حرموا ما شيء قليل منه خير من الدنيا وما فيها، وهم لا يعلمون ذلك، فـ "لو" الثانية أيضاً للتمني.
قوله: (وكانت لليهود كلمة يتسابون بها، عبرانية أو سريانية وهي: "راعينا" يعني: قولة

الصفحة 26