كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 3)

(وَاسْمَعُوا): وأحسنوا سماع ما يكلمكم به رسول الهل ويلقي عليكم من المسائل بآذان واعية وأذهان حاضرة؛ حتى لا تحتاجوا إلى الاستعادة وطلب المراعاة؛ أو: اسمعوا سماع قبول وطاعة، ولا يكن سماعكم مثل سماع اليهود حيث قالوا: (سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا) [البقرة: 93]؛ أو: واسمعوا ما أمرتم به بجد؛ حتى لا ترجعوا إلى ما نهيتم عنه؛ تأكيداً عليهم ترك تلك الكلمة. وروي: أن سعد بن معاذ سمعها منهم، فقال: يا أعداء الله! عليكم لعنة الله! والذي نفسي بيده لئن سمعتها من رجل منكم يقولها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: ((وَاسْمَعُوا): وأحسنوا سماع ما يكلمكم) أي: أجيدوا. قال في قوله تعالى: (أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) [السجدة: 7] حقيقته: يحسن معرفته. أي: يعرفه معرفة حسنة بتحقيق وإتقان. وإنما فسر "واسمعوا" بما فسر من الوجوه الثلاثة لينبه على أن المسلمين كانوا يسمعون كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن سماع مقصر غير واع، فأمروا بأن يسمعوا حق السماع.
أولها: فسره بمعنى إلقاء الذهن وإحضار القلب، يعني: أنكم إنما احتجتم إلى قولكم "راعنا" لأنكم لم تكونوا تحسنون السماع، وكان ذلك مستلزماً لذلك المحذور، فأحسنوا السماع لئلا يلزم ذلك.
وثانيها: أن يراد بقوله: "واسمعوا" القبول والطاعة، نهاهم أولاً بقوله: "لا تقولوا راعنا" على إرادة: تأن بنا حتى نحفظه عن مجرد جعل الحفظ غاية للتأني كما قدره، ثم أمرهم بقوله: (وَقُولُوا انظُرْنَا وَاسْمَعُوا) [البقرة: 104] إعلاماً بأن السماع المعتبر أن يجمعوا بين الفهم والعمل حتى تكون غاية الفهم العمل تعريضاً باليهود حيث سمعوا ولم يعملوا وعصوا.
وثالثها: أن يكون "اسمعوا" تكريراً للتأكيد كما تقول: لا تضرب زيداً واسمع أمري، فهو تأكيد للكلام المسموع. يعني: إذا تلقيتم من رسول الله صلى الله عليه وسلم قولاً تلقوه بجد وعزيمة حتى لا تحتاجوا إلى أن تقولوا: راعنا.

الصفحة 28