كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 3)

والخير: الوحي وكذلك الرحمة، كقوله: (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ) [الزخرف: 32]، والمعنى: أنهم يرون أنفسهم أحق بأن يوحى إليهم؛ فيحسدونكم، وما يحبون أن ينزل عليكم شيء من الوحي، (وَاللَّهُ يَخْتَصُّ) بالنبوة (مَنْ يَشَاءُ)، ولا يشاء إلا ما تقتضيه الحكمة، (وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ): إشعار بأن إيتاء النبوة من الفضل العظيم، كقوله تعالى: (إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيراً) [الإسراء: 87].
[(مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَاتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ* أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ* أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلْ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ*
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفيه: أن الكفر شر كله؛ لأنه هو الذي يورث الحسد، ويحمل صاحبه على أن يبغض الخير ولا يحبه البتة، وأن الإيمان خير كله؛ لأنه يحمل صاحبه على تفويض الأمور كلها إلى الله تعالى.
قوله: (والخير: الوحي، وكذلك الرحمة) فعلى هذا قد أقيم المظهر، وهو الرحمة، مقام المضمر، وهو ضمير الوحي من غير لفظه السابق؛ ليؤذن بأن الوحي هو عين الرحمة، كما أن إرساله صلى الله عليه وسلم محض الرحمة لقوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) [الأنبياء: 107] وكذلك لفظة "الله" في قوله: (وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ) [البقرة: 105] أقيم مقام ضمير "ربكم" لينبه به على أن تخصيص بعض الناس بالخير دون بعض ملائم للألوهية، كما أن إنزال الخير على العموم مناسب للربوبية.
قوله: (إشعار بأن إيتاء النبوة من الفضل العظيم) جعل إيتاء النبوة بعضاً من الفضل العظيم؛ لأن الفضل العظيم يعم جميع الأفضال، فقوله تعالى: (وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) تذييل، أو لكون الكلام في النبوة دخلت فيه دخولاً أولياً.

الصفحة 30