كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 3)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهي قوله: (مِنْ آيَةٍ) كما قدرها المصنف، ولو قدرت غيرها لركبت شططاً، ونظيره قوله تعالى: (مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ) [آل عمران: 7]، أي: آيات أخر؛ هذا مشعر بأن الناسخ للكتاب ينبغي أن يكون الكتاب لا شيئاً غيره، وهو موافق لما ذهب إليه الإمام الشافعي؛ لأنه منع نسخ القرآن بالخبر المتواتر، وهو موافق لما ورد عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلامي لا ينسخ كلام الله، وكلام الله ينسخ بعضه بعضاً"، رواه الدارقطني، وكيف يخفى على الإمام ما خفي على غيره وهو من أعلام المختصين وقد قال ابن الصلاح: أعيى الفقهاء وأعجزهم معرفة ناسخ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من منسوخه. وكان للشافعي رضي الله عنه اليد الطولى والسابقة الأولى. وقال أحمد بن حنبل رضي الله عنه: ما عرفنا المجمل من المفسر، ولا الناسخ في الحديث من منسوخه حتى جالسنا الشافعي. والآيات التنزيلية شواهد صدق؛ ذلك لأن الناسخ لابد أن يكون خيراً من المنسوخ أو مثله قوله تعالى: (نَاتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا) [البقرة: 106] والسنة ليست بخير من القرآن ولا مثله، وأيضاً قال: (نَاتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا) والضمير في "نأت" لله تعالى فيكون الآتي بالناسخ هو الله تعالى.
وأجاب الجمهور عن الأول: أن المراد بالنسخ، هو نسخ الحكم لا اللفظ؛ لأن القرآن

الصفحة 32