كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 3)

وإنساخها: الأمر بنسخها، وهو أن يأمر جبريل بأن يجعلها منسوخة بالإعلام بنسخها. ونسؤها: تأخيرها وإذهابها لا إلى بدل. وإنساؤها: أن يذهب بحفظها عن القلوب. والمعنى: أن كل آية نذهب بها على ما توجبه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا تفاضل فيه، ويجوز أن يكون حكم السنة خيراً من حكم القرآن، أو مثلاً له؛ لأنه يجوز أن يكون حكم السنة أصلح للمكلف من حكم القرآن.
وعن الثاني: أنه يصح إطلاق "نأت" على ما أتى به الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن ما أتى به الرسول عليه السلام أيضاً من عند الله لقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى) [النجم: 3 - 4].
قلت: أما قولهم: إن المراد بالنسخ هو نسخ الحكم لا اللفظ، فهو تخصيص من غير مخصص، على أن الآية ورودها في شأن أهل الكتاب ورد ودادتهم أن لا ينزل الله تعالى على رسوله صلوات الله عليه هذا الكتاب الشريف فينسخ به كتابهم لفظاً وحكماً.
ورد أنه صلى الله عليه وسلم اختص به دونهم، وأنه صلى الله عليه وسلم هو الذي يبدله من تلقاء نفسه بشهادة سبب النزول، ويدل عليه قوله تعالى: (مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ) [البقرة: 105] إلى قوله تعالى: (مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) [البقرة: 107]، فإذن كيف يتصور خلاف هذه المعاني!
وعن قولهم: أن يكون حكم السنة أصلح، فإنه قريب من القول بالاعتزال مع أن قوله تعالى: (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ) [البقرة: 107] يقلع هذا الزعم؛ لأن معناه أن الله تعالى إنما يحسن منه النسخ، لكونه مالكاً للخلق، ومستولياً عليهم، لا لثواب يحصل ولا لعقاب يدفع، ولا لغرض من الأغراض، لأن ترتب الحكم على الوصف المناسب مشعر بالعلية.

الصفحة 33