كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 3)

(نأتِ بـ) آية (خَيْرٍ مِنْهَا) للعباد، أي: بآية العمل بها أكثر للثواب (أَوْ مِثْلِهَا)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ويمكن تنزيل قول المصنف على هذا التقرير، فإن قوله: "إلى بدل أو غير بدل" مشير إلى النسخ والإنساء في الشرط، وقوله: "نأت بخير منها للعباد" إلى معنى الجزاء، أي: بخير منها، إما على طريقة النسخ والإبدال، أو على غير هذه الطريقة. والمقام يساعد هذا التقرير؛ لأن الكلام جار في أمر المنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وإبطاله كتب اليهود والنصارى، والكتب المنسوخة مشتملة على أحكام وغيرها، والناسخ كذلك، فقوله: (مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا) تفصيل لكيفية إبدال المنزل عن الكتب السابقة على سبيل العموم، لأن تلك الأحكام، بعضها منسوخة، وبعضها مقررة، وغير الأحكام مثل القصص والتوحيد ومكارم الأخلاق منسي، ومتروك التلاوة مأمور بالإنساء عنها.
وأما نسخ القرآن بالقرآن، فمستفاد من عموم الآية على طريقة إشارة النص وأسلوب الإدماج، فإذن لابد في النسخ بالإتيان بآية أخرى، ولا يرد قولهم: قد جاء النسخ بلا بدل كما في قوله تعالى: (إِذَا نَاجَيْتُمْ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً) [المجادلة: 12] لمجيء البدل وهو قوله: (فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) الدال بمفهومه على إباحة الصدقة.
قوله: ((بـ) آية (خَيْرٍ مِنْهَا) للعباد، أي: بآية العمل بها أكثر للثواب) يشير إلى أن الخيرية في الآية من حيث الثواب، لا اللفظ؛ لأن القرآن لا تفاضل فيه بحسب اللفظ، وفيه بحث.
فإن قلت: إذا كان جواز النسخ معللاً بكون الناسخ خيراً منه من حيث كون العمل بها أكثر ثواباً، لزم جواز ذلك بالحديث بهذه العلة.
قلت: لا يلزم؛ لأن الخيرية من هذه الحيثية ليست علة مستقلة، بل مع قيد عدم التفاضل في اللفظ، فإن الثواب الحاصل من نفس قراءة القرآن لا يوازيه قراءة الحديث.

الصفحة 39