كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 3)

في ذلك (عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فهو يقدر على الخير وما هو خير منه. وعلى مثله في الخير.
(لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ) فهو يملك أموركم ويدبرها ويجريها على حسب ما يصلحكم، وهو أعلم بما يتعبدكم به من ناسخ ومنسوخ
لما بين لهم أنه مالك أمورهم ومدبرها على حسب مصالحهم من نسخ الآيات وغيره وقررهم على ذلك بقوله: (أَلَمْ تَعْلَمْ)، أراد أن يوصيهم بالثقة به فيما هو أصلح لهم مما يتعبدهم به وينزل عليهم، وان لا يقترحوا على رسولهم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (فهو يملك أموركم ويدبرها) الفاء سببية. يعني: إنما رتب حكم النسخ على هذه الصفة، وهي أنه مالك السماوات والأرض ليؤذن أنه تعالى يدبر مصالحكم في النسخ والإنساء؛ لأن من دبر أمراً هو أعظم لا يمتنع عليه الأهون، وعندنا من هو مالك للأمور كلها، له التصرف في ملكه ما يشاء.
قوله: (لما بين لهم أنه مالك أمورهم) إلى قوله: "أراد أن يوصيهم بالثقة به" بيان لربط قوله: (أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ) [البقرة: 108] الآية مع الآيات السابقة، يعني لما رد على اليهود قولهم في النسخ والطعن فيه، وعم الخطاب للكل في قوله: (أَلَمْ تَعْلَمْ) [البقرة: 106] إلى قوله: (لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ) [البقرة: 107] لأنه من أسلوب قوله صلى الله عليه وسلم: "بشر المشائين" رجع إلى المسلمين بخطابهم فيما يشبه حالهم حال اليهود من سؤالهم لما يضرهم ويرديهم، توصية لهم بالثقة بالله، وبما ينزل عليهم من القرآن، وأن لا يكونوا كاليهود في اقتراحهم على نبيهم، ثم لما أراد أن يؤكد النهي عن اقتفائهم آثار اليهود ذكر بعض ما صدر منهم من الحسد وتمني الكفر لهم قال: (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ) [البقرة: 109].

الصفحة 40