كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 3)

ما اقترحته آباء اليهود على موسى من الأشياء التي كانت عاقبتها وبالاً عليهم، كقولهم:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فإن قلت: فسر المصنف تبدل الكفر بالإيمان بترك الثقة بالآيات المنزلة على العموم، فلم خصت الآيات بالقرآن في قولك: وبما ينزل عليهم من القرآن؟
قلت: لا ارتياب أن قوله تعالى: (وَمَنْ يَتَبَدَّلْ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ) الآية، تذييل للكلام السابق على سبيل التهديد والوعيد، والتذييل ما يؤتى في آخر الكلام بما يشتمل على المعنى السابق؛ توكيداً له، فبالنظر على كونه تذييلاً فسر المفسر بالعموم، وبالنظر إلى ما سيق له الكلام وأنه وارد في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم واقتراحهم ما اقترحوه؛ خصصناه بالقرآن.
قوله: (ما اقترحه آباء اليهود على موسى) جاء في بعض الروايات في "التفسير الكبير": أن المراد بهذا السؤال اقتراحهم على النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم ذات أنواط. على ما رويناه عن أبي واقد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى غزوة حنين، مر بشجرة للمشركين كانوا يعلقون عليها أسلحتهم يقال لها: "ذات أنواط"، فقالوا: يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سبحان الله! هذا كما قال قوم موسى: اجعل لنا غلهاً كما لهم آلهة، والذي نفسي بيده لتركبن سنن من كان قبلكم" أخرجه الترمذي، وزاد رزين: "حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة، إن كان فيهم من أتى أمه يكون فيكم، فلا أدري أتعبدون العجل أم لا". هذا، وأما استشهاده بقوله: (أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً) [النساء: 153] فمحض تعصب.

الصفحة 41