كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 3)

أن يتعلق بـ (وَدَّ) على معنى أنهم تمنوا أن ترتدوا عن دينكم، وتمنيهم ذلك من عند أنفسهم، ومن قبل شهوتهم، لا من قبل التدين والميل مع الحق؛ لأنهم ودوا ذلك من بعد ما تبين لهم أنكم على الحق، فكيف يكون تمنيهم من قبل الحق؟ وإما أن يتعلق بـ (حَسَداً) أي: حسداً متبالغاً منبعثاً من أصل نفوسهم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إن قول النحويين: هذا الجار متعلق بهذا الفعل يريدون أن العرب وصلته به، واستمر سماع ذلك منهم، فقالوا: رضيت عن جعفر، ورغبت في زيد، كذلك قالوا: حسدت زيداً على علمه، ولم يقولوا: حسدته من ابني. وكذلك وددت لم يعلقوا به "من" فثبت بهذا أن قوله: (مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ) لا يتعلق بـ (حَسَداً) ولا بـ (وَدَّ)، لكنه متعلق بمحذوف يكون وصفاً لـ (حَسَداً) أو وصفاً لمصدر (وَدَّ)، أي: حسداً كائناً من عند أنفسهم أو وداً كائناً من عند أنفسهم. والجواب: أن القول بإفضاء عمل الفعل إلى معمولِ معمولِه سائغ وقد قرره في قوله تعالى: (كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنْ اللَّيْلِ مُظْلِماً) [يونس: 27] وأيضاً باب التضمين والمجاز واسع.
قوله: (حسداً متبالغاً) أي: متناهياً يقال: ابتلغ فيه الحسد وتبالغ متناهياً من قولهم: تبالغ فيه المرض والهم.
الأساس: تبلغت به العلة، إذا اشتدت. وإنما كان متناهياً، لأنه انبعث من عند أنفسهم، وكان ذاتياً كقوله تعالى: (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ) [الحشر: 9] قال: وقد أضيف الشح إلى النفس لأنه غريزة فيها، ونفس الرجل كزة حريصة على المنع.
قال شيخنا شيخ الإسلام أبو حفص السهروردي قدس سره: إن النفوس مجبولة على

الصفحة 43