كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 3)

(فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا) فاسلكوا معهم سبيل العفو والصفح عما يكون منهم من الجهل والعداوة (حَتَّى يَاتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ) الذي هو قتل بني قريظة، وإجلاء بني النضير وإذلالهم بضرب الجزية عليهم. (إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فهو يقدر على الانتقام منهم. (مِنْ خَيْرٍ) من حسنة: صلاة أو صدقة أو غيرهما
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
غرائز وطبائع هي من لوازمها وضرورتها خلقت من تراب وصلصال من حمأ مسنون، ولها بحسب تلك الأصول التي هي مبادئ تكونها، صفات من البهيمية والسبعية والشيطنة.
وقلت: من الشيطنة نشأ الحسد، ولهذا قال المارد: خلقتني من نار، وخلقته من طين، والنارية في الإنسان من قوله تعالى: (كَالْفَخَّارِ) [الرحمن: 14].
قال أبو البقاء: حسداً مصدر وهو مفعول له، والعامل (وَدَّ) أو (يَرُدُّونَكُمْ)، (مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ) "من" متعلقة بـ (حَسَداً) أي: ابتداء الحسد من عند أنفسهم.
قوله: (فاسلكوا معهم سبيل العفو والصفح) العفو: ترك عقوبة المذنب. والصفح: ترك تثريبه، وقد يعفو الإنسان ولا يصفح، يقال: صفحت عنه، أي: أوليته مني صفحة جميلة معرضاً عنه، أو تجاوزت الصفحة التي أثبت فيها ذنبه.
والعفو عنهم لا يكون على وجه الرضا بما فعلوا، بل دفعاً لاشتعال نائرتهم وزيادة إيذائهم، ولهذا علق بقوله: (حَتَّى يَاتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ) [البقرة: 109] وإنما أوثر العفو على الصبر على أذاهم والإعراض عنهم، ليؤذن بتمكين المؤمنين ترهيباً للكافرين.

الصفحة 44