كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 3)

وأمناً من الإلباس؛ لما علم من التعادي بين الفريقين وتضليل كل واحد منهما لصاحبه، ونحوه: (وَقَالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا) [البقرة: 135] والهود: جمع هائد، كعائذ وعوذ، وبازل وبزل. فإن قلت: كيف قيل: (كَانَ هُوداً) على توحيد الاسم وجمع الخبر؟ قلت: حمل الاسم على لفظ (مَن)، والخبر على معناه، كقراءة الحسن: (إلا من هو صالو الجحيم). وقوله: (فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا) [الجن: 23]. وقرأ أبي بن كعب: (إلا من كان يهودياً أو نصرانياً). فإن قلت: لم قيل: (تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ)، وقوله: (لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ) أمنية واحدة؟ قلت: أشير بها إلى الأماني المذكورة وهو أمنيتهم أن لا ينزل على المؤمنين خير من ربهم، وأمنيتهم أن يردوهم كفاراً، وأمنيتهم أن لا يدخل الجنة غيرهم، أي: تلك الأماني الباطلة أمانيهم، وقوله: (قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ) متصل بقولهم: (لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى). و (تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ) اعتراض،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (كعائذ)، الجوهري: العوذ: الحديثات النتاج من الظباء والإبل والخيل، واحدتها عائذ، ويجمع أيضاً على عوذان.
قوله: (و (تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ) اعتراض) فإن قلت: من حق الاعتراض أن يكون مؤكداً للمعترض فيه، فأين مقتضاه ها هنا؟ قلت: قوله: (لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى) حكاية دعواهم الباطلة، وقد أكدوها بلفظة "لن" على سبيل الحصر، وقوله: (قُلْ هَاتُوا)، أي: بيانكم إن كنتم صادقين، بيان لبطلانها، وأن تلك الدعوى بمجرد القول لا برهان لهم فيها، وقوله: "تلك" إشارة لبعدها عن التحقيق وتحقير شأنها، ومن ثم سماها أماني، والأماني لا ثبوت لها، وأما على تقدير حذف المضاف فهي أبلغ في باب الاعتراض، يعني أن هذه الأمنية ليست ببدع منهم، بل كان أمانيهم مثل هذه.

الصفحة 46