كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 3)

(وَهُوَ مُحْسِنٌ) في عمله (فَلَهُ أَجْرُهُ) الذي يستوجبه. فإن قلت: (مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ) كيف موقعه؟ قلت: يجوز أن يكون (بَلَى) رداً لقولهم، ثم يقع (مَنْ أَسْلَمَ) كلاماً مبتدأ، ويكون (مَنْ) متضمناً لمعنى الشرط، وجوابه: (فَلَهُ أَجْرُهُ)، وأن يكون (مَنْ أَسْلَمَ) فاعلاً لفعل محذوف أي: بلى يدخلها من أسلم، ويكون قوله: (فَلَهُ أَجْرُهُ) كلاماً معطوفاً على "يدخلها من أسلم"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(أَسْلَمَ وَجْهَهُ) [البقرة: 112] و (وَجَّهْتُ وَجْهِي) [الأنعام: 79] وقيل: الوجه في هذه المواضع اسم للعضو مستعار للذات، وقوله: (أَسْلَمَ وَجْهَهُ) أي: نفسه.
قوله: ((وَهُوَ مُحْسِنٌ) في عمله) وهو ينظر إلى الألفاظ النبوية صلوات الله على قائلها بعد ما أجاب عن الإيمان والإسلام والإحسان: "أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك" وقد فسر بالإخلاص في العمل.
قوله: (كلاماً مبتدأ) أي: مستأنفاً جواباً عن سؤال مقدر، فإنهم لما نفوا دخول الجنة عن غيرهم، وأثبتوا لأنفسهم، رد عليهم هذا التحكم الباطل بـ "بلى"، أي: ليس الأمر كما تزعمون، ثم اتجه لسائل أن يقول: فما الحكم الحق والقضاء العدل؟ فقيل: (وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ) الآية [البقرة: 112]، فظهر أن السؤال على هذا عن الحكم، وعلى الوجه الثاني لا يكون استئنافاً، ويجوز أن يكون استئنافاً كأنه لما قيل: بلى يدخلها، قيل: مَن؟ قيل: من أسلم، هذا هو الوجه؛ لأن الكلام وقع في الفاعل لا في الحكم، على أنه ذلك الوجه أيضاً مستتبع للحكم، وبيانه: أن اليهود والنصارى لما ادعوا أنهم وحدهم يدخلون الجنة، وأن

الصفحة 48