كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 3)

(قَالَ) الجهلة (الَّذِينَ) لا علم عندهم، ولا كتاب، كعبدة الأصنام والمعطلة ونحوهم؛ قالوا لأهل كل دين: ليسوا على شيء. وهذا توبيخ عظيم لهم؛ حيث نظموا أنفسهم- مع علمهم- في سلك من لا يعلم. وروي: أن وفد نجران لما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاهم أحبار اليهود فتناظروا حتى ارتفعت أصواتهم، فقالت اليهود: ما أنتم على شيء من الدين، وكفروا بعيسى والإنجيل، وقالت النصارى لهم نحوه، وكفروا بموسى والتوراة. (فَاللَّهُ يَحْكُمُ) بين اليهود والنصارى (يَوْمَ الْقِيَامَةِ) بما يقسم لكل فريق منهم من العقاب الذي استحقه. وعن الحسن: حكم الله بينهم أن يكذبهم ويدخلهم النار ......
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي الحديث: "قولوا بقولكم" أي: بقول أهل دينكم وملتكم.
وفي التشبيه مبالغة على نحو قوله تعالى: (إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا) [البقرة: 275]، وتخصيص من جهة التقديم.
قوله: ((يَحْكُمُ) بين اليهود والنصارى) فإن قلت: لم خصهما بالذكر بعد قوله: (قَالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ) فهذا أعم، فيدخل اليهود والنصارى دخولاً أولياً؟
قلت: المراد توبيخ اليهود والنصارى حيث نظموا أنفسهم مع علمهم في سلك من لا يعلم شيئاً، فالواجب تهديد هؤلاء خاصة. والدليل عليه الفاء في قوله تعالى: (فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ)، وإيقاع "لا يعلمون" على "مثل قولهم".
قوله: (بما يقسم لكل فريق) يعني "يحكم" يستدعي جارين: الباء "وفي" كما يقال: حكم الحاكم في هذه الدعوى بكذا، فحذف في التنزيل المتعلق بالباء، ليعم المقدر، ولذلك قال "بما يقسم" أولاً و"أن يكذبهم" ثانياً.

الصفحة 51