كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 3)

(أَنْ يُذْكَرَ) ثاني مفعولي (مَّنَعَ)؛ لأنك تقول: منعته كذا، ومثله: (وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ) [الإسراء: 59]، (وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا) [الإسراء: 94]، ويجوز أن يحذف حرف الجر مع "أن"، ولك أن تنصبه مفعولاً له بمعنى: منعها كراهة أن يذكر، وهو حكم عام لجنس مساجد الله، وأن مانعها من ذكر الله مفرط في الظلم. والسبب فيه:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (أَنْ يُذْكَرَ) ثاني مفعولي (مَّنَعَ) يعني تعدى "منع" إلى المفعولين بنفسه، واستدل بقوله: "منعته كذا" وبالآيتين، وقال في "مقدمة الأدب": منعته عن الأمر ومنعته الأمر، ثم قال: "ويجوز أن يحذف حرف الجر" ويوصل بالفعل، وعلى التقديرين، لابد لقوله: (مَسَاجِدَ اللَّهِ) من تقدير مضاف، أي: أهل مساجد الله بدليل قوله: "يمنعون الناس" وقوله: منع المشركين رسول الله".
وقال أبو البقاء: يجوز أن يكون "أن يذكر" في موضع نصب على البدل من "مساجد" بدل الاشتمال، المعنى: ومن أظلم ممن منع أن يذكر في مساجد الله اسمه، أو على أنه مفعول له، أو التقدير: من أن يذكر، فحذف "من" ونصب.
وفي "الصحاح" منعت الرجل عن الشيء، ومن هذا قيل: إن قوله: "ويجوز أن يحذف" جواب سؤال، أي: كيف يكون أن يذكر ثاني مفعولي "منع"، ولا يجوز لـ "منع" مفعول ثان إلا بواسطة حرف الجر؟ فقال في جوابه: "ويجوز أن يحذف" إلى آخره. ويقال: الواو في "ويجوز" مانع للحمل على الاستئناف على تقدير السؤال والجواب.
قوله: (والسبب فيه) أي: في نزول الآية. وقوله: "وقيل: منع المشركين" عطف على قوله: "والسبب فيه" وكذا قوله: "وينبغي أن يراد بـ "من منع" العموم" عطف عليه، وقوله: "ولا يراد الذين" بيان على سبيل التأكيد لقوله: "أن يراد بـ "من منع" العموم"، فالوجوه ثلاثة: الأول خاص، وأن المراد بـ "من منع": النصارى، وبالمساجد: بيت المقدس.

الصفحة 52