كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 3)

أن يبطشوا بهم، فضلاً أن يستولوا عليها ويلوها ويمنعوا المؤمنين منها، والمعنى ما كان الحق والواجب إلا ذلك لولا ظلم الكفرة وعتوهم. وقيل: ما كان لهم في حكم الله يعني أن الله قد حكم وكتب في اللوح أنه ينصر المؤمنين ويقويهم، حتى لا يدخلوها إلا خائفين. روي: أنه لا يدخل بيت المقدس أحد من النصارى إلا متنكراً مسارقة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ترعد من الدابة، وجمعها: فرائص، وفرائص العنق: أوداجها الواحدة فريصة، وهو كناية عن شدة الخوف.
قوله: (أن يبطشوا) هو مفعول "خائفين" نحو قولك: هذا زيد ضارباً عمراً الآن أو غداً، و"فضلاً" متعلق بقوله: "أن يدخلوا".
قوله: (ما كان الحق والواجب إلا ذلك لولا ظلم الكفرة)، فإن قلت: لولا لامتناع الشيء لوجود غيره، فيلزم من وجود الظلم انتفاء الوجوب، وليس كذلك، وأما وجود الظلم، فكما روي أن بيت المقدس بقي أكثر من مئة سنة في أيدي النصارى بحيث لم يتمكن أحد من المسلمين من الدخول فيه إلا خائفاً إلى أن استخلصه الملك الناصر صلاح الدين.
قلت: المعنى ما أوجب على أولئك المانعين ولا ألزم عليهم بحيث لا يسعهم تركه إلا أن يدخلوها خائفين، لكنهم لعتوهم وعنادهم غيروا الواجب، وتمردوا كما أن من وجبت عليه الصلاة إذا تركها لم يسقط عنه الواجب، لكنه لعصيانه تركه. ويؤيده ما قال الإمام: ما فرض الله ولا أوجب إلا ذلك.
أو المعنى: ما حكم الله بشيء إلا بأن ينصر المؤمنين حتى لا يدخل النصارى إلا خائفين، فقد حصل الحكم فلا يجب في عموم الأوقات، وهو المراد بقوله: "إن الله قد حكم وكتب [في اللوح] أنه ينصر المؤمنين ويقويهم، حتى لا يدخلوها إلا خائفين".

الصفحة 54