كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 3)

(إلا خيفاً) وهو مثل صيم. وقد اختلف الفقهاء في دخول الكافر المسجد: فجوزه أبو حنيفة، ولم يجوزه مالك، وفرق الشافعي بين المسجد الحرام وغيره.
وقيل: معناه النهي عن تمكينهم من الدخول والتخلية بينهم وبينه، كقوله: (وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ) [الأحزاب: 53]. (خِزْيٌ): قتل وسبي، أو ذلة بضرب الجزية، وقيل: فتح مدائنهم قسطنطينية ورومية وعمورية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "إلا خيفاً" [وهو] مثل صيم) أي: في قلب الواو ياء. روي عن المصنف: القياس خوف وصوم، ولكن لقربه من الطرف اجترئ على إعلاله، وقبح "صيام" في "صوام" لبعده من الطرف.
قوله: (وفرق الشافعي) روى الإمام عن الشافعي رضي الله عنه أنه يمنع من دخول المسجد الحرام لقوله تعالى: (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ) [التوبة: 28] والمراد الحرام لقوله تعالى: (مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى) [الإسراء: 1] وأسرى من بيت أم هانئ. واحتج أبو حنيفة رضي الله عنه بما روي أن وفد ثقيف قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزلهم المسجد، ولأن للكافر الدخول في سائر المساجد وفاقاً، وكذلك المسجد الحرام. وأجاب بالفرق للتعظيم، وان الحديث مختص ببدء الإسلام.
قوله: (وقيل: معناه النهي عن تمكينهم من الدخول) عطف على قوله: "ما كان ينبغي لهم أن يدخلوا مساجد الله" وعلى الأول إخبار وعلى الثاني نهي. نهي المؤمنون عن تمكينهم الكفار من الدخول وهو أبلغ من صريح النهي، لأن الكناية أبلغ، فإنك إذا قلت لصاحبك: لا ينبغي لعبدك أن يفعل كذا على إرادة النهي للسيد، كان أبلغ من النهي له ابتداء، فعلى هذا لا يجب المصير إلى تخصيص العام الذي وقع خلافه، ومن ثم أخر هذا البحث.

الصفحة 56