كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 3)

[(وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) 115].
(وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ) أي: بلاد المشرق والمغرب. والأرض كلها لله هو مالكها ومتوليها. (فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا) ففي أي مكان فعلتم التولية؛ يعني تولية وجوهكم شطر القبلة، بدليل قوله: (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ). (فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ) أي: جهته التي أمر بها ورضيها والمعنى: أنكم إذا منعتم أن تصلوا في المسجد الحرام وفي بيت المقدس فقد جعلت لكم الأرض مسجداً فصلوا في أي بقعة شئتم من بقاعها، وافعلوا التولية فيها، فإن التولية ممكنة في كل مكان، لا يختص إمكانها في مسجد دون مسجد، ولا في مكان دون مكان. (إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ) الرحمة، يريد التوسعة على عباده، والتيسير عليهم. (عَلِيمٌ) بمصالحهم. وعن ابن عمر: نزلت في صلاة المسافر على الراحلة أينما توجهت. وعن عطاء: عميت القبلة على قوم فصلوا إلى أنحاء مختلفة، فلما أصبحوا تبينوا خطأهم فعذروا. وقيل معناه:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (فعلتم التولية) يعني: أجرى "تولوا" مجرى اللازم؛ لأن مفعوله الأول وهو "وجوهكم" منسي غير منوي نحو: فلان يعطي ويمنع، وقوله: "يعني تولية وجوهكم شطر القبلة" بيان لأصل المعنى لا تفسير لقوله: "فعلتم التولية".
قوله: (أي: جهته التي أمر بها ورضيها) اعلم أنه جيء بالوجه إما: مجازاً عند المعتزلة، أو كناية عندنا عن رضا الله؛ لأن من رضي عنه مخدومه، لا يمنعه أن يستقبل بوجهه إليه، بل يستبشر له ويرضى عنه، وسيجيء نحو هذا البحث في قوله تعالى: (وَلا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ) في آل عمران [77].
قوله: (فلما أصبحوا تبينوا خطأهم فعذروا) قال القاضي: وفي قول ضعيف: لو اجتهد المجتهد وأخطأ، ثم تبين له أنه أخطأ، لم يلزمه التدارك، تمسكاً بهذه الآية.

الصفحة 57