كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 3)

قلت: هو كقوله: سبحان ما سخركن لنا، وكأنه جاء بـ "ما" دون "من"؛ تحقيراً لهم وتصغيراً لشأنهم، كقوله: (وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً) [الصافات: 158]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأما الفرق بين الوجهين فهو: أن التحقير على الأول يعلم من قوله تعالى: (لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ) بطريق المفهوم، والتسخير من قوله: (كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ) كذلك، وعلى الثاني بطريق التصريح، وكم بين الدلالتين! وذلك أن الدعوى مع الكناية كدعوى الشيء للبينة، وكذلك قررنا التفسير بطريق أدى إلى المقصود بالطريق الأولى.
الراغب: قيل: إنما وقع لهم الشبهة في نسبة الولد إلى الله تعالى؛ لأن في الشرائع المتقدمة كانوا يطلقون على البارئ تعالى اسم الأب، وعلى الكبير منهم اسم الإله، حتى إنهم قالوا: إن الأب هو الرب الأصغر وإن الله تعالى هو الأب الأكبر، وكانوا يريدون بذلك أنه تعالى هو السبب الأول في وجود الإنسان، وأن الأب هو السبب الأخير في وجوده، وأن الأب هو معبود الابن من وجه، أي: مخدومه، يقصدون معنى صحيحاً كما يقصد علماؤنا بقولهم: الله تعالى محب ومحبوب ومريد ومراد، ونحو ذلك من الألفاظ، وقولهم: رب الأرباب وإله الآلهة وملك الملوك، وكان عيسى يقول: أنا ذاهب إلى أبي، ثم تصور الجهلة منهم معنى الولادة الطبيعية.
قوله: (سبحان ما سخركن لنا)، يخاطب النساء، وفيه معنى التعجب، يتعجب من كونهن- مع الدهاء والحيلة- مسخرات للرجال.
وفي "الإقليد": كأنه قيل: ليس من شأنكن أن تكن مسخرات لنا، فسبحان الملك القادر الذي سخركن لنا بكمال ملكوته وتمام قدرته وعظمته.

الصفحة 60