كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 3)

وإنما المعنى أن ما قضاه من الأمور وأراد كونه، فإنما يتكون ويدخل تحت الوجود من غير امتناع ولا توقف، كما أن المأمور المطيع الذي يؤمر فيمتثل لا يتوقف ولا يمتنع ولا يكون منه الإباء. أكد بهذا استبعاد الولادة؛ لأن من كان بهذه الصفة من القدرة كانت حاله مباينة لأحوال الأجسام في توالدها. وقرئ: (بديع السماوات) مجروراً على أنه بدل من الضمير في "له". وقرأ المنصور بالنصب على المدح
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مكرم، والمحنق: من الحنق وهو الحقد، والقول من الأنساع تمثيل، إذ لا قول ثمة، قدماً: القدم بضم القاف، الجوهري: مضى قدماً: لم يعرج ولم ينثن، يعني سريعاً، الحق: أمر من: لحق- بالكسر- لحوقاً، أي: ضمر.
قوله: (أكد بهذا استبعاد الولادة)، يعني: علم من قوله تعالى: (اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً) إلى قوله: (كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ) استبعاد الولادة، فأكد ذلك المعنى بقوله: (بَدِيعُ السَّمَوَاتِ) إلى قوله: (فَيَكُونُ)، وذلك أنه تعالى لما حكى قولهم: (اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً) وأضرب بقوله: (بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ) دل بمنطوقه على كونه مالكاً للكل، لا يخرج شيء من ملكه وملكوته، وقوله: (كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ) دل على كونه تعالى قهاراً، وأن الأشياء كلها مقهورة تحت تصرفه، لا يمتنع شيء منها على تكوينه وتقديره، ولو فرض شيء لوجب دخوله تحت ملكه وقهره بدلالة هذا العموم، فكيف يتصور له ولد؟ ! لأنه لا يجانسه في المالكية والقهارية. وغليه الإشارة بقوله: "ومن كان بهذه الصفة لم يجانس" إلى آخره.
هذا، وإن معنى قوله: (بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ) أنه مخترعهما وموجدهما من غير مثال ولا احتذاء، فدل بمفهومه على كونه تعالى مالكاً لها، فيكون مؤكداً لقوله: (لَهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ) وقوله: (وَإِذَا قَضَى أَمْراً) الآية، معط معنى القهارية الذي يعطيه معنى قوله: (كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ) كما سبق، وفي كلامه سابقاً ولاحقاً إشارة إلى هذا المعنى.
قوله: (وقرأ المنصور) وهو أبو جعفر، الثاني من خلفاء بني العباس.

الصفحة 63