كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 3)

(قَدْ بَيَّنَّا الآيَاتِ لِقَوْمٍ) ينصفون فـ (يُوقِنُونَ) أنها آيات يجب الاعتراف بها، والإذعان لها، والاكتفاء بها عن غيرها.
[(إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ) 119].
(إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ) لأن تبشر وتنذر لا لتجبر على الإيمان، وهذه تسلية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أَتَوَاصَوْا بِهِ) [الذاريات: 52 - 53]، الضمير في (بِهِ) للقول، أي: أتواصى الأولون والآخرون بهذا القول حتى قالوا جميعاً متفقين عليه، والهمزة في (أَتَوَاصَوْا) لتعجيب اتفاق القولين.
قوله: (قَدْ بَيَّنَّا الآيَاتِ لِقَوْمٍ) ينصفون فـ (يُوقِنُونَ) أنها آيات). هذا التقدير يؤذن أن قوله: (يُوقِنُونَ) مجاز من إطلاق المسبب على السبب، ولهذا قدر "ينصفون فيوقنون" بالفاء، يعني: إنما تنفع الآيات لمن يؤدي إنصافه إلى الإيقان، وهذه الخاتمة كالتخلص من عد قبائح الكفار إلى تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم لما اشتملت على التعريض بهؤلاء، يعني: هؤلاء قوم ديدنهم الجحد والتكبر، فلا تجدي فيهم الآيات والنذر، وإنما تنفع الآيات لمن فيه الإنصاف، فلا تحرص على هداهم ولا تتساقط حسرات على توليهم؛ لأنك لست عليهم بمسيطر، إن أنت إلا نذير وبشير، فلذلك علل بقوله: (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً)، فالجملة مصدرة بـ "إن" من غير عاطف، وفيه معنى إقامة غير المنكر منكراً لما استشعر منه من ملابسة ما ينكر عليه، ولهذا فسره بقوله: "إنا أرسلناك لأن تبشر وتنذر لا لتجبر على الإيمان"، فهو قصر إفرادي.

الصفحة 65