كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 3)

لرسول الله، وتسرية عنه؛ لأنه كان يغتم ويضيق صدره لإصرارهم وتصميمهم على الكفر. ولا نسألك (عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ) ما لهم لم يؤمنوا بعد أن بلَّغْتَ وَبلَغْتَ جهدك في دعوتهم؟ كقوله: (فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ) [الرعد: 40]. وقرئ: (ولا تسأل) على النهي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وتسرية عنه)، النهاية: هو من قولهم: سري عنه الهم، أي: انكشف عنه، يقال: سروت الثوب وسريته: إذا خلعته.
قوله: (ولا تسأل) أي: لا تسأل أنت يا محمد، بضم التاء والرفع، وهي قراءة الجماعة سوى نافع، فإنه تفرد بقراءة: "ولا تسأل" بفتح التاء وجزم اللام على النهي.
قال الزجاج: أما الرفع فعلى وجهين: أحدهما: أنه استئناف، كأنه قيل: ولست تسأل عن أصحاب الجحيم، كأنه قال: (فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ) [الرعد: 40].
وثانيهما: أنه حال، أي: أرسلناك غير سائل عن أصحاب الجحيم.
وقلت: المعنى على القراءة الأولى: إذا كان حالاً كان قيداً للفعل، وعلى أن يكون استئنافاً يكون تذييلاً، ومرجعهما إلى معنى: إنا أرسلناك؛ لأن تبشر وتنذر لا لتسأل عن أصحاب الجحيم، يعني: ما كلفناك بأن تجبرهم على الإيمان، وفيه فائدتان: إحداهما: الإيذان بانشراح الصدر، وأنه في فسحة منهم إن لم يؤمنوا، وهو المراد بقوله: "وهذه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتسرية عنه". وثانيتهما: إظهار أن الحجة قد لزمت الكفار، وأنه صلى الله عليه وسلم بلغ ما كان عليه؛ لأن هذا القيد إنما يصار إليه إذا تجاوز رسول الله صلى الله عليه وسلم من البشارة والنذارة إلى ما يوهم منه الإجبار، وإليه الإشارة بقوله: "ما لهم لم يؤمنوا".

الصفحة 66